02:34 م
الجمعة 15 أغسطس 2025
الشرقية – ياسمين عزت:
جسدت السينما المصرية قبل نحو 27 عامًا قصة واقعية قبل أن تحدث، وكأن المؤلف كان يتنبأ بالمستقبل، عندما جسدت شخصية التيك توكر “ياسمين” ذاك الشاب الذي انتحل صفة أنثى عبر الإنترنت، مبررًا فعله المشين بأنه يسعى وراء توفير دخل مادي يعينه على الحياة، وهي القصة التي حاكاها شريف منير في فيلم “هيستيريا”، إذ كان يتجول بملابس ومظهر سيدة في الشوارع ليلًا ليهيئ للرجال أنه فريسة لهم، ثم يسلبهم أموالهم ويلوذ بالفرار.
قبل أكثر من ربع قرن، قدّم الكاتب الكبير محمد حلمي هلال فيلم “هيستيريا” (1998) شخصية أثارت الجدل وقتها، لكنها اليوم تبدو وكأنها كانت نبوءة مبكرة لواقع يعيشه جيل جديد. الفارق بين الشخصيتين هو الوسيلة؛ فالأول “رمزي” كان يتقمص شخصية أنثى بالتشبه بمظهرها من خلال الملابس والمكياج، ويتجول في الشوارع ليلًا، أما “ياسمين” ومع فارق الزمان فقد استخدم التطور التكنولوجي بظهوره عبر “تيك توك” والإنترنت، مع الاستعانة بالذكاء الاصطناعي. وفي النهاية، الفعل واحد والمبرر واحد: “الحصول على المال” دون الرجوع إلى قيم أو مبادئ أو دين.
في الفيلم، جسّد الفنان شريف منير شخصية “رمزي” الذي تنكّر في هيئة امرأة ليلًا بمساعدة خاله الماكيير، بعدما أوهمه بأنه يمثل دور سيدة في مسرحية تمثيلية، طامحًا في المال والمكانة. ورغم اعتراض شقيقه “زين” (أحمد زكي) ومحاولاته المستمرة لإعادته إلى الطريق الصحيح، ظل “رمزي” يبرر سلوكه برغبة بسيطة: “عايز آكل وأشرب وأركب عربية زي باقي الناس”.
آنذاك، بدت القصة مجرد حبكة درامية، لكن مرور السنوات كشف أن السينما المصرية كانت تستشرف خطرًا لم يكن حاضرًا في الأذهان، وهو خطر البحث عن الشهرة والمال السهل عبر تزييف الهوية والتنكر، وهو ما تجسد مؤخرًا في قصة “ياسمين”، البلوجر والتيك توكر الذي تبين أنه شاب يُدعى عبد الرحمن من الشرقية، انتحل صفة أنثى لجذب المتابعين وتحقيق أرباح.
المفارقة أن السينما حذّرت من هذا “الانزلاق الأخلاقي” قبل ظهور مواقع التواصل بسنوات طويلة. واليوم، ونحن نرى أجيالًا كاملة تبني أحلامها على تطبيق مثل “تيك توك”، يبدو أن تحذير وحيد حامد قد تحوّل إلى واقع صارخ: طرق مختصرة للثراء، لكنها على حساب القيم والكرامة.
