12:16 م


الأربعاء 10 سبتمبر 2025

المنيا- جمال محمد:

في قرية برطباط بمركز مغاغة شمال غربي المنيا، تتوارى خلف جدران طينية قديمة واحدة من أنقى قصص العطاء، هناك، يجلس الشيخ إبراهيم محمد مروان على كرسيه المتحرك، يواجه المرض بآيات القرآن، ويمنح الأطفال علمًا وإيمانًا في كُتاب أنشأه منذ أكثر من ثلاثة عقود.

المرض الذي أصاب الشيخ إبراهيم، الروماتويد المفصلي، بدأ معه في سنوات الطفولة، فأضعف جسده وشلّ حركته، لكنه لم يكسر عزيمته وحبه لكتاب الله.

فرغم معاناة المشي والآلام، أصر على استكمال تعليمه حتى حصل على الثانوية العامة بصعوبة، بعد أن اضطر لتأجيل الامتحانات لعامين.

يحكي الشيخ إبراهيم بداية رحلته مع التحفيظ داخل أحد أقدم كتاتيب المنيا خلال بث مباشر لمصراوي قائلاً: “كنت أبيع الخضار والبطيخ في شبابي وخلال فترة مرضي لأساعد نفسي وأسرتي، حتى جاءني رجل من القرية وطلب أن أعلّم ابنه القرآن بعدما سمع تلاوتي.

بدأت اُحفظ الطفل بشكل شخصي، ولكن انتشر الخبر بين الأهالي بأنني أقوم بالتحفيظ، وفوجئت بزيادة عدد الحفظة يوماً بعد الآخر، فقررت أن أبدأ بأجر رمزي داخل هذا الكُتاب، لا يتجاوز ربع جنيه أسبوعيًا، وشيئًا فشيئًا صار الكُتاب مقصد كل بيت في القرية، حتى سجّلته رسميًا بالأزهر عام 1994، ومن وقتها لم أغب يومًا عن تحفيظ كتاب الله.”

ثماني ساعات يوميًا يقضيها وسط صغار الحافظين، يوجههم، يصحح تلاوتهم، ويغرس فيهم حب القرآن، ليخرج من كُتابه أجيال شاركت وفازت في مسابقات الأزهر، وبعضهم صاروا علماء وقراء، حتى ابنه في الحفظ “أحمد إبراهيم” الذي بدأ الحفظ معه وهو في الرابعة، أصبح اليوم صاحب كُتاب ينافس به شيخه.

ورغم ضيق المكان وتهالك جدران الكتاب، يحلم الشيخ إبراهيم بأن يُجدَّد الكُتاب، ويُرفع سقفه، لتصبح غرفته الصغيرة قاعة واسعة تحتضن مزيدًا من الحافظين.

يختم الشيخ إبراهيم حديثه بابتسامة صافية: “القرآن هو حياتي، وهو ما يبقى لي في الدنيا والآخرة.”

شاركها.