يواجه السودانيون في الخرطوم أزمة شديدة في السيولة النقدية اللازمة لمعيشتهم، مع إغلاق المصارف وتعطل العديد من ماكينات الصرف الآلي في ظل استمرار المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أسبوعين.
وقال رئيس تحرير صحيفة “إيلاف” السودانية خالد التيجاني لفرانس برس: “في الأسابيع المقبلة سيواجه الناس أزمة حقيقية”، في إشارة إلى الافتقار إلى النقد المحلي.
وتابع “لم يتحسب الناس لما حدث.. لقد فوجئوا بالتطورات والتصعيد”.
وتدور المعارك في العاصمة ومدن سودانية عديدة منذ 15 أبريل بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو حربا بلا هوادة على السلطة، بعدما كانا حليفَين منذ انقلاب 2021 الذي أطاحا خلاله المدنيين من الحكم.
وأسفر القتال حتى الآن عن مقتل نحو 574 شخصًا على الأقل وجرح الآلاف، بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الصحة السودانية وعن نقابة الأطباء. لكن قد يكون عدد الضحايا أكثر من ذلك نتيجة القتال المستمر.
وقالت خلود خير، مؤسّسة مركز “كونفلوانس أدفايزوري” البحثي في الخرطوم “المصارف مغلقة منذ 15 أبريل، ما يعني أنه حتى من كان لديه مدخرات لن يستطيع الوصول إليها”.
وتابعت “إضافة إلى ذلك فإن العاملين في القطاع غير الرسمي الذين يحصلون على أجرهم يوميا لم يتمكنوا من الحصول على اي نقود” منذ اندلاع القتال.
ودفعت الحرب قاطني الخرطوم البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، من مواطنين أو أجانب، إما إلى الفرار إلى ولايات أخرى أو خارج البلاد، وإما إلى البقاء خلف جدران المنازل بين أزيز الرصاص ودوي الانفجارات والغارات الجوية، في ظل نقص الغذاء وانقطاع المياه والكهرباء وخدمات الهاتف والإنترنت من جهة أخرى.
دفع إقبال السودانيين على تدبير ما يلزمهم من نقد محلي إلى استغلال بعض المستفيدين لهذه الظروف الصعبة من خلال بيع العملة المحلية مقابل الدولار بسعر مرتفع.
وقال التيجاني “قيمة الدولار الآن تعتمد على مدى جشع المستفيد”.
وأضاف “قبل الأحداث كان سعر الدولار في السوق السوداء يصل إلى 610 جنيهات، وقبل يومين قمت بتبديل الدولار مقابل 580 جنيها”، موضحا أن الفارين من الخرطوم يقومون بتغيير العملة الأميركية بسعر أقل من ذلك.
وبات الفرار من الخرطوم في ظل هذه الظروف “بالغ الصعوبة لأن هذا يتطلب سيولة كثيرة بالعملة السودانية”.
وعاش أشرف التجربة عندما قرر أن يغادر مع عائلته الخرطوم إلى مصر، على بعد أكثر من ألف كيلومتر شمال العاصمة السودانية، واضطر الى الخضوع لشروط سائق الحافلة.
وقال أشرف: “لم يكن معي سوى دولارات وكان يريد جنيهات سودانية لأنه يستخدمها في شراء الوقود. في نهاية المطاف وافق على أن يأخذ دولارات ولكنه اشترط أن يكون سعر الصرف 400 جنيه لكل دولار في حين أن السعر الرسمي للدولار هو 600 جنيه”.
وعانى السودان طوال حكم الرئيس السابق عمر البشير، أزمات اقتصادية متلاحقة ناتجة من سوء الإدارة من جهة وما شهدته البلاد من صراعات قبلية وتمرد مسلح من جهة أخرى، فضلا عن العقوبات الدولية المفروضة عليه.
وأوضح الباحث المستقل حامد خلف الله أن “الفرار من الخرطوم أو البلاد يتطلب الكثير من المال نقدا، وهو ما لا يملكه الناس في الوقت الحالي” في بلد يعيش نحو 65% من سكانه تحت خط الفقر، بحسب ما أفاد تقرير للأمم المتحدة صدر في 2020.
وأشار خلف الله إلى أنه عندما اندلعت الحرب “لم يكن قد تم سداد رواتب شهر أبريل بعد، كنا في اليوم الخامس عشر فقط”.
وفيما يعاني المواطنون نقص السيولة، ارتفعت الأسعار وخصوصا تعرفة الحافلات العامة التي زادت، بحسب خير، “بنسبة 500% بسبب الحاجة واقتصاد الحرب”، مشيرة إلى أن ذلك يعود أيضا إلى “نقص الوقود وصعوبة توفيره”.
وقال أحد الأجانب المقيمين بالخرطوم عبر الهاتف وقد فضل عدم ذكر اسمه “لا أعتقد أن قيمة الدولار تنخفض بالفعل في السوق السوداء، ولكن الطلب على النقد (المحلي) ارتفع للغاية”.
وفي الأعوام الأخيرة فضل السودانيون الاعتماد على التطبيقات الإلكترونية لتداول أموالهم بدلا من التعامل نقدا، على ما أفاد التيجاني، ولكن نظرا لتعطل الانترنت المستمر تواجه التطبيقات مشكلات فنية ولا تعمل بشكل منتظم.
كذلك أكدت شركة “وسترن يونيون” للتعاملات المالية، في بيان تلقته فرانس برس، أنه “نظرًا للتطورات الأخيرة في السودان، تم توقف خدمات “ويسترن يونيون” الدولية لتحويل الأموال في الخرطوم والمناطق المتأثرة الأخرى حتى إشعار آخر”.
وأورد التيجاني “يلجأ الناس الآن إلى التكافل في ما بينهم لسد الاحتياجات، ويراهنون فقط على انتهاء الأزمة”.
من جهتها، قالت خير إن السودانيين “تُركوا عالقين وغير قادرين على التحرك بدون أموال في جيوبهم”.