06:00 ص
الجمعة 02 يونيو 2023
د ب أ–
تشتهر اليونان بسياحة اليخوت نظرا لوجود العديد من الموانئ المجهزة لاستقبال مختلف أنواع اليخوت من جميع أنحاء العالم، ومع شروق الشمس تنتشر حركة محمومة في مرسى اليخوت “مارينا أليموس” في العاصمة اليونانية أثينا.
وفي حين لا يزال بعض البحارة في الحمامات، يقوم البعض الآخر بإنهاء المشتريات الأخيرة قبل الإبحار، وتعمل جميع طواقم اليخوت بحماس على رصيف الميناء، وعلى الرغم من إبحار عشرات اليخوت والقوارب السياحية بالفعل، لا تزال هناك بعض الطواقم تتناول إفطارها على بعض السفن الأخرى.
وأوضح الألماني “بيرند يونجه” أنه يرغب في أن تتم الأمور ببساطة وسهولة، وأضاف قائلا: “دع الآخرين يبحرون أولا، سوف ننهي إفطارنا في هدوء”، وليس هناك أي شيء يتحرك على ظهر اليخت الشراعي “فاني”، الذي يبلغ طوله 14 مترا.
وقد كانت حرارة البحر المتوسط على مائدة الإفطار أشد من حاجة “بيرند يونجه” إلى بداية هادئة للإبحار، ومع آخر رشفة من فنجان القهوة أدرك أنه قد حان موعد الإبحار.
وتنطلق الجولة اليوم في خليج سارونيك، والذي يعتبر بمثابة البحيرة الزرقاء في أثينا، ويصطحب “بيرند يونجه” على متن قاربه ابنة أخته مع زوجها وابنتيهما، وصاح “بيرند يونجه” بعد قليل من مغادرة الميناء، قائلا: “هيا نرفع الشراع الرئيسي”، حيث يصبح اليخت في مهب الريح.
وبعد إيقاف المحرك يبحر اليخت في هدوء تام، ولا يسمع المرء سوى صوت تلاطم الأمواج وحركة الرياح في الأشرعة فقط، وتزداد سرعة اليخت الشراعي “فاني”، ويختفي الأكروبوليس من الأفق ببطء.
ويصعد “بيرند يونجه” إلى المقصورة ويعود إلى سطح اليخت ومعه زجاجة من الأوزو، ويتشارك مع الآخرين نخب إله الريح راسموس، من أجل الاستمتاع برحلة إبحار رائعة.
جزيرة “بوروس”
وبعد الإبحار لمسافة 30 ميل بحري يتوقف اليخت للسباحة قبالة بعض الجزر الصغيرة غير المأهولة، وتصل الرحلة إلى جزيرة “بوروس” في فترة ما بعد الظهيرة، وعلى مسافة بضع مئات من الأمتار أمام المدينة، التي تحمل نفس الاسم يرمي “بيرند يونجه” المرساة في مياه الخليج الخلاب، حيث تلقى الشمس بأشعتها الذهبية أثناء الغروب على واجهات المنازل المطلية باللون الأبيض، وتنتشر هذه المنازل على المنحدرات المطلة على الميناء ويغلفها ضوء رومانسي دافئ.
ويبرز برج الساعة بلونه الأبيض فوق المدينة، وقد تم تشييده في عالم 1927، كما يرفرف علم اليونان فوق الصخرة، وعلى جدار الرصيف تنتشر الأضواء الزاهية من مطاعم الأسماك، وينعم السياح على متن القارب بأطباق المعكرونة والسلطة والحلويات مع إطلالة حالمة على جزيرة “بوروس”.
وقد استقبلت هذه الجزيرة العديد من الفنانين ونجوم هوليوود العالميين مثل جريتا جاربو والكاتب الأمريكي الشهير هنري ميلر، والذين قضوا حوالي 9 شهور هنا، ومثل جميع الجزر في خليج سارونيك فإن جزيرة “بوروس” تعود لأصل بركاني، ويمكن للسياح زيارة فوهة بركان متضخمة في شبه جزيرة “ميثانا” المجاورة.
وعلى الرغم من تمتع جزيرة “بوروس” بشهرة كبيرة على الخريطة السياحية، إلا أنها ليست مزدحمة بالسياح مثل الجزر الأخرى في خليج سارونيك مثل جزيرة كريت أو رودس أو سانتوريني أو ميكونوس، ويرجع سبب ذلك إلى أنه يصعب الوصول إليها بدون قارب.
وتمتاز منطقة الإبحار بأنها محمية ضد الرياح الشديدة بواسطة البر الرئيسي لليونان وجبال شبه جزيرة بيلوبونيز، فعندما تهب الرياح الشديدة خلال شهور الصيف في بحر إيجه، فإن الأجواء تكون هادئة في أغلب الأحيان حول الجزر المنتشرة في خليج سارونيك، وبالتالي فإن هذه المنطقة تحظى بإقبال اليخوت والقوارب الشراعية.
وأدار “بيرند يونجه” محرك اليخت وصاح قائلا: “سوف ننطلق إلى الجزيرة التالية”، وبعد اجتياز المضيق في جزيرة “بوروس”، والذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيسي لشبه جزيرة بيلوبونيز، تتجه معظم القوارب الشراعية إلى جزيرة “هيدرا”، حيث يحظر هنا قيادة السيارات، ويتم نقل البضائع والسياح عن طريق العربات، التي تجرها الحمير، وتستقبل جزيرة “هيدرا” أعدادا غفيرة من السياح خلال شهور الصيف.
جزيرة “هيدرا”
وعادة ما يبحث السياح أثناء رحلة اليخوت عن الخلجان الهادئة والمنعزلة، ومن أجمل مزايا الإبحار باليخوت أنه يمكن للسياح أن يحددوا المنطقة، التي يرغبون في الذهاب إليها، ففي هذا الحالة لم يتجه القارب من جزيرة “بوروس” إلى جزيرة “هيدرا” مثلما أغلبية اليخوت الأخرى، ولكنه أبحر باتجاه جزيرة ” أنجيستري” الأكثر هدوءا، كما ظهرت مجموعة من الدلافين أثناء إبحار “بيرند يونجه” باتجاه الجانب الجنوبي الغربي غير المأهول من الجزيرة.
وعند الرغبة في المبيت فإنه من الأفضل اختيار خليج بالقرب من شاطئ “أبونيسوس”، لأن الجزيرة الصغيرة الواقعة أمامه تحميه من الرياح والأمواج، وينعم السياح بإطلالة رائعة على المياه الزمردية الخضراء، كما يمكن مشاهدة الأسماك من القارب وتنبعث رائحة غابات الصنوبر من الشاطئ القريب.
وبعدما يتم إلقاء المرساة وتثبيت القارب بواسطة صخرة بشكل إضافي، تنطلق المجموعة السياحية للسباحة والغوص ويشعر السياح وكأنهم في حوض ماء، وبعد مرور يومين لم تكن هناك أية رياح تقريبا، ولذلك لم يتم فرد الأشرعة، وبدلا من ذلك تم إدارة المحرك والإبحار إلى “باليا إبيداوروس”، والتي تبعد 10 كيلومترات عن الميناء وتعتبر أحد أهم المعابد القديمة في اليونان، وتندرج أطلال المعبد على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو، وتحظى بنفس أهمية أولمبيا ودلفي.
عشاق الغوص
وإلى جانب عشاق الرحلات الثقافية ينال عشاق الغوص أيضا متعة خالصة هنا، حيث أوضح “فيكي مارتن” من مركز الغوص “سكوبا بلو دريم” أن عالم ما تحت الماء يزخر بالكثير من الأحياء المائية في الكهوف وحول الحطام الرائعة، وتضم الحياة المائية هنا العديد من الأنواع مثل الباراكودا والهامور والسلاحف والدلافين، وتعرف هذه المنطقة باسم “حديقة الأخطبوط”؛ نظرا لكثرة أعداد الأخطبوط والحبار.
وعند الوصول إلى الخليج التالي يحتاج السياح إلى قناع الغوص فقط للاستمتاع بمشاهدة أجزاء من المدينة القديمة الغارقة قبالة شاطئ “جيالاسي”، ويحاول “بيرند يونجه” الاقتراب بالقارب من البقايا الأثرية قدر الإمكان، حيث تقع الأمفورا القديمة وأساسات المباني القديمة على عمق مترين فقط من سطح الماء.
ويشمل برنامج الرحلة في طريق العودة زيارة الأكروبوليس، والذي يعتبر بمثابة مسك الختام للجولة اليونانية، ولكن بمجرد الدخول وسط حشود السياح يستعد المرء تلقائيا لمشاهد الهدوء والعزلة في جزر خليج سارونيك، والتي تظهر في الأفق من وسط العاصمة اليونانية أثينا.