يُعتبر أحمد هارون (58 عاما)، الذي عمل مساعدا للبشير وقبلها وزيرا وواليا، أبرز قادة الحركة الإسلامية السودانية التي دبّرت الانقلاب العسكري عام 1989م.
وفي الأعوام الأخيرة لحكم التنظيم الإسلاموي بالسودان، ظهر هارون كأحد أفراد الدائرة الضيقة حول الرئيس المخلوع. حينها اكتسب هارون ثقة عمر البشير الذي استعان به لإنقاذ قارب حكمه المشارف على الغرق وسط الطوفان الثوري الهادر. ففي فبراير 2019م، أي قبل أقل من شهرين على سقوطه، اضطر البشير تحت وطأة المد الجماهيري، لنقل سلطاته في رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى هارون، ولم يمض وقت طويل حتى أصدر البشير قرارا جديدا في مارس 2019 بتعيين هارون مساعدا له. قبلها تقلد أحمد هارون حقائب وزارية، كما تولى منصب والي جنوب كردفان وشمال كردفان.
يعد أحمد هارون أحد القادة المسؤولين عن الكارثة الإنسانية في دارفور التي هزت الضمير الإنساني، ووصفت بأنها أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.
ولم يقف سجله الإجرامي هناك، بل امتد للخرطوم إبان الثورة ضد نظام البشير، حيث كشف تخطيطهم لفض الاعتصام أمام القيادة العامة بالقوة حسبما ذكر الإمام الصادق المهدي في شهادته: “أحمد هارون قال لنا إنه قد اتخذ القرار لفض اعتصام القيادة بالقوة”.
لاحقا اعتقل هارون بعد سقوط النظام البائد وظل مخفورا خلف جدران سجن كوبر بالخرطوم بحري حتى فراره منذ أيام مع بقية قادة التنظيم الإسلاموي، قبل أن يتصدر واجهة الأحداث بمقطع صوتي مُثير للجدل.
أحمد هارون والبشير
ظهور لأحمد هارون!
يعتبر الكثيرون أن أول ظهور لافت كان عندما تبوأ مقعد وزير الدولة بوزارة الداخلية، وقتها بدأت أزمة دارفور شرارة حريق دون أن يحن أوان استعارها على النحو المأساوي الذي تبدت نتائجه المروعة، عندما وقع المواطنون في مرمى نيران متقاطعة، للقوات الحكومية وميليشيا الجنجويد والحركات المسلحة، فأحرقت القرى وأتلفت الزروع وأيبست الضروع، فعهد للرجل ضمن مهام وزارة الداخلية، التعامل المباشر مع تضاعيف الأزمة التي أخذ حر هجيرها اللافح يلفح وجوه الجميع، حتى وصلت إلى خارج الحدود عندما بدأ المواطنون العزل الهرب إلى القفار البعيدة في معسكرات النزوح، في تشاد وأفريقيا الوسطى فراراً من جحيم النيران.
من هو أحمد هارون؟!
تلقى أحمد محمد هارون تعليمه الابتدائي والمتوسط بمدرسة الأبيض الأهلية ثم الثانوي بمدرسة خور طقت الثانوية حيث برزت أثناء الدراسة الثانوية شخصيته القوية كواحد من القيادات الطلابية، الأمر الذي أهله لتولي رئاسة الداخلية، وفي أثناء دراسته الثانوية التحق بتنظيم الاتجاه الإسلامي، واستمر في العمل التنظيمي عند التحاقه بالدراسة الجامعية في مصر وفي هذه الفترة برز أحمد هارون ككادر خطابي مفوَّه وقائد طلابي، حيث تولى رئاسة اتحاد الطلاب السودانيين في مصر.
تخرج هارون من كلية القانون/جامعة القاهرة عام 1987م. وعاد إلى السودان ليلتحق بالسلطة القضائية، حيث عمل قاضياً لفترة قصيرة، قبل أن يتم اختياره ليعمل وزيراً للشؤون الاجتماعية في ولاية جنوب كردفان.
حينها برز أحمد هارون في مهمته كوزير موالٍ للسلطة، وتبعا لذلك جرت ترقيته إلى وظيفة أعلى، إذ تم تعيينه منسقاً عاماً للشرطة الشعبية، وهي قوة شبه عسكرية تتبع لوزارة الداخلية وتستعين بها في بسط الأمن.
كارثة إنسانية في دارفور!
عام 2003م تم تعيين أحمد هارون وزير دولة بوزارة الداخلية، ومسؤولا عن مكتب دارفور الأمني، بالفترة التي شهدت اشتداد أوار الصراع الدامي في إقليم دارفور، وتفاقم الأزمة الإنسانية بطريقة لم يسبق لها مثيل بالسودان.
ونسب إليه تجييش قوات الاحتياطي المركزي وتحويلها من مجرد شرطة لفض المظاهرات ومكافحة الشغب لجيش صغير، لاستخدامه كعصا لتأديب من يصفهم بـ”المتمردين في دارفور”، ولم يقف الرجل عند تجييش قوات الاحتياطي المركزي فقط، بل زاد عليه بتكوين الشرطة الظاعنة التي استخدمت لذات الغرض، والتي قال عنها مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، وكان يشغل حينها منصب كبير مساعدي البشير.
وأثناء حفل تأبين لضحايا مايعرف بـ”أحداث أم درمان” الذين قتلوا في اشتباكات دامية بين قواته والشرطة عام 2007م، إن حل الشرطة الظاعنة وإبعادها عن الإقليم كان على رأس قائمة مطالبهم أثناء المفاوضات مع حكومة الخرطوم في ذلك الوقت.
لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية
الثعلب الذي عهد إليه برعاية الدجاج!
بعد توقيع اتفاق سلام نيفاشا الذي أنهى أطول حرب أهلية بين شمال وجنوب السودان عام 2005 اُعفي هارون من منصبه كوزير دولة بالداخلية، ليتحوّل إلى منصب وزير الدولة بوزارة الشؤون الإنسانية في سبتمبر 2005 م بالحكومة التي شُكلت بموجب اتفاق السلام الشامل. حينها قال لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، تعليقه الشهير واصفا تعيين هارون وزيرا للشؤون الإنسانية بـ”الثعلب الذي عهد إليه برعاية الدجاج”.
يوم 27 أبريل 2007، يظل محفورا بذاكرة هارون ومن خلفه قادة التنظيم الإسلاموي بالسودان، وفي ذلك اليوم، قدم الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية طلباً لقضاة محكمة لاهاي لاستصدار مذكرة اعتقال دولية للقبض عليه بتهمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. واستجابة لمرافعة أوكامبو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض على أحمد هارون في 2 مايو 2007، مع أحد قادة مليشيا الجنجويد في السودان علي كوشيب – الذي يحاكم حاليا بلاهاي- في اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وعند تلاوة أوكامبو لمذكرة الاتهام الشهيرة ضده، تصادف وجود أحمد هارون بالأردن يتلقى العلاج. إلا أن إشهار المذكرة دفعت الرجل لقطع رحلة العلاج سريعا والتوجه إلى مطار علياء الدولي، ليلقي بنفسه في جوف طائرة أقلته للخرطوم قبل غروب شمس ذلك اليوم العصيب والمفصلي في حياته.
“كلمة السر” لنظام الخرطوم مع المجتمع الدولي!
لاحقاً تحول الرجل لما يشبه كلمة السر أو القاسم المشترك في كل محادثات الخرطوم مع المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية كبرى، التي تبنت عداءً سافراً لنظام الخرطوم، واتهمته بتنفيذ هجمات دامية ضد المدنيين العزل في دارفور ترقى إلى مستوى حرب الإبادة.
تجارب عديدة سابقة مع الموت!
وكعادة كوادر التنظيم الإسلاموي بالسودان، اعتمد هارون صيغة الإنكار والتكذيب التام لجرائمه المُرعبة ضد المدنيين بإقليم دارفور مؤكدا “أن السودانيين ينظرون إليه كبطل قومي، وأن أوكامبو ليس لديه إثبات أن يديه ملطختان بدماء الضحايا الأبرياء في دارفور”.
هارون قال في مقابلة “إن لديه تجارب عديدة سابقة مع الموت أدت إلى نشوء ألفة بينهما”.