منذ أن تفجرت شرارة الحرب في السودان في منتصف أبريل الماضي بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والخسائر تتزايد يوميا، وتقترب الأوضاع من حافة الكارثة.
وقد أوقعت الحرب مئات القتلى وآلاف الجرحى، فيما نزح حوالي 75 ألف شخص إلى الدول المجاورة مثل مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، وواصلت دول العالم إجلاء رعاياها، فيما يعاني السكان الذين يحاولون الفرار أو يقبعون في منازلهم، أزمات كبيرة في ظل انقطاع المياه والكهرباء ونقص الغذاء.
وهنا يثور التساؤل: ماذا لو طالت الحرب في السودان؟
يجيب الخبير والمحلل السياسي المصري الدكتور محمد اليمني لـ”العربية.نت” فيقول إن العاصمة السودانية الخرطوم مهددة بكارثة إنسانية مروعة، بعد أن أصبحت كافة مرافقها الحياتية والخدمية متوقفة ومشلولة، وسيزداد الوضع فيها سوءا وتدهورا، خاصة في ظل القرار الحكومي الذي صدر أمس الأحد وأعلن فيه عن منح موظفي الحكومة إجازة رسمية اعتبارا من أول مايو وحتى إشعار آخر بسبب الأوضاع الأمنية.
وأضاف أن هذا القرار قد يفاقم الأزمة في مدينة كبيرة مثل الخرطوم، تحتضر وتحتاج إلى إنقاذ عاجل ومضاعفة جهود وخدمات بشكل استثنائي وعلى مدار الساعة، وليس تركها تلفظ أنفاسها هكذا، مشيرا إلى أن عمليات الإجلاء والنزوح الجماعي من السودان إلى الخارج أصبحت الشاغل الأوحد للدولة السودانية ولا شيء آخر غيرها.
وقال إن من تداعيات هذه الأوضاع وحسب ما تنقل وسائل الإعلام العالمية، تراكم أكوام النفايات المتعفنة والجثث المتحللة الملقاة في الشوارع وبشكل غير إنساني، ما قد يؤدي إلى انتشار الأوبئة القاتلة كالكوليرا والطاعون وغيرها من الأمراض، خاصة في ظل غياب المستشفيات التي خرج معظمها من الخدمة، ونقص الدواء وعدم كفاية الطواقم الطبية المؤهلة للتعامل مع مثل هذه الكوارث البيئية والإنسانية والصحية الوشيكة، موضحا أن إطالة أمد الحرب قد ينجم عنها أيضا أزمات نقص الوقود والغذاء واختفاء السلع من الأسواق وتعذر الانتقال بين أحياء العاصمة السودانية وضواحيها.
وتابع أنه وفي ظل استمرار الحرب فقد تتحول الخرطوم إلى مدينة أشباح مهجورة ومعزولة عن العالم الخارجي، وقد تمتد المأساة إلى مدن أخرى في حال طالتها الاشتباكات وانتقلت إليها المعارك، مختتما بالقول إن السودان أمام محنة إنسانية صعبة ستمتد وتطول.
في سياق متصل، يقول الدكتور خيري عمر، المحلل السياسي، إن الحرب بشكل عام قد تطول فعليا خاصة إذا علمنا بالتعريف الحقيقي لقوات الدعم السريع وعلاقتها بالقبائل في غرب السودان، موضحا لـ”العربية.نت” أن قدرات الدعم السريع تفتقر للإمكانيات التي تؤهلها للاستمرار في الحرب لكنها قد تتخذ منحى آخر قد ينقل الأزمة لمناطق أخرى داخل السودان.
ويوضح الخبير المصري أكثر ويقول إن قوات الدعم السريع تفتقد لوجود مركز للقيادة لإدارة العمليات، خصوصاً بعد خروجها من دائرة اتصالات الجيش، وهذا ما يفسر اعتمادها على شبكات اتصال أخرى، لكن مع مرور الوقت ستظهر نقطة الضعف هذه، وهو ما سيجعلها تلجأ للحصول على دعم وإسناد خارجي لتظل قادرة ومستمرة على أرض العمليات.
وتابع أن قوات الدعم السريع تواجه مشكلتين أخريين، وهما غموض مشروعها السياسي أو غيابه فعليا، ولذلك لا يحظى سعي بعض قادتها للسلطة عبر الحرب بقبول من الدولة أو المجتمع، والثاني يتعلق بأن نشأتها التي كانت بقرار من الدولة حرمتها من الظهير الاجتماعي والشعبي، خصوصاً بعد مشاركتها في مآسي دارفور في العقدين الماضيين، ما يؤدي إلى تمركز هذه القوات في دارفور وغرب السودان ومحاولة التمترس به بمساندة قبلية، وهو ما سيدفع في نهاية المطاف لتزايد النزعة الانفصالية وخروج أقاليم جديدة من جسد الدولة السودانية على غرار ما حدث في الجنوب.