05:23 م
الجمعة 05 سبتمبر 2025
القاهرة- مصراوي
دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أوروبا إلى بذل المزيد خلال اتصال مع قادة أوروبيين يوم الخميس، رغم أن النشاط الدبلوماسي الوحيد المرتبط بالحرب يأتي من حلفاء واشنطن عبر الأطلسي، الذين يحاولون التوصل إلى ضمانات أمنية لحماية أوكرانيا بعد أي اتفاق سلام.
وجاء هذا التطور الأخير في دبلوماسية الرئيس المتقلبة بشأن أوكرانيا بعد يوم من إعلانه للصحفيين أنه يخطط للتحدث مع بوتين مرة أخرى قريبًا لمناقشة “ما سنفعله”. ورفض القول ما إذا كان سيوافق على عقوبات مباشرة قاسية ضد روسيا إذا واصل بوتين إبطاء مبادرته للسلام، بعدما تجاهل الرئيس الروسي مهلتين متتاليتين، آخرهما تنتهي يوم الجمعة. وقال ترامب من المكتب البيضاوي الأربعاء: “أيًا كان قراره، سنكون إما سعداء به أو غير سعداء. وإذا لم نكن سعداء، سترون ما سيحدث”.
وتحدث ترامب مع فولوديمير زيلينسكي يوم الخميس، إلى جانب قادة أوروبيين آخرين. وقال الرئيس الأوكراني لاحقًا إن المحادثة تناولت الضغوط الاقتصادية على روسيا و”حرمان آلة الحرب الروسية من المال”.
لكن الرسالة من الجانب الأمريكي بعد المحادثة حملت اللوم للأوروبيين أكثر من روسيا.
وقال مسؤول في البيت الأبيض عقب الاتصال: “شدد الرئيس على أن أوروبا يجب أن تتوقف عن شراء النفط الروسي الذي يمول الحرب — إذ تلقت روسيا 1.1 مليار يورو من مبيعات الوقود للاتحاد الأوروبي خلال عام واحد”. وأضاف المسؤول: “كما شدد الرئيس على أن القادة الأوروبيين يجب أن يمارسوا ضغطًا اقتصاديًا على الصين لتمويلها الجهود الحربية الروسية”.
من جهة، يملك ترامب وجهة نظر. فبالنظر إلى الخطر الأمني الكبير الذي تشعر به الدول الأوروبية من روسيا، من الغريب أن تستمر بعض دول الاتحاد الأوروبي في شراء الطاقة الروسية في وقت فرض فيه الغرب عقوبات لإضعاف اقتصاد موسكو بسبب غزوها غير القانوني لأوكرانيا عام 2022.
ومع ذلك، مثل كثير من مواقف ترامب تجاه الحرب، فإن ضغوطه على أوروبا تحمل عناصر غير منطقية بل ومتناقضة. فهو يطالب أوروبا بمواجهة الصين بشأن مشترياتها من النفط الروسي في حين أنه غير مستعد لمعاقبة بكين بنفسه. الولايات المتحدة منخرطة في محادثات تجارية مع الصين بعد أن أطلق الرئيس حربًا تجارية بفرض رسوم جمركية عالية رغم ضعف أوراق الضغط الأمريكية. ويبدو أن ترامب لا يرغب في فعل أي شيء قد يضر بفرصه في صفقة.
لكن موقفه من أوروبا يعكس أيضًا تعامله مع صديق سابق آخر، الهند، التي تعاني من رسوم جمركية بنسبة 50% على صادراتها إلى الولايات المتحدة، وهو إجراء برره ترامب باستمرار مشتريات نيودلهي للنفط الروسي. وقد نسف خطوته جهودًا استمرت ثلاثة عقود من إدارات ديمقراطية وجمهورية متعاقبة لإبقاء الهند بعيدة عن نفوذ الصين، القوة الآسيوية الصاعدة الأخرى.

وقد برز ثمن هذه الاستراتيجية هذا الأسبوع عندما قدم الرئيس الصيني شي جين بينج استقبالًا وديًا لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في قمة لزعماء أقوياء. وفي الوقت نفسه، قضى مودي ساعة في ليموزين بوتين، في مشهد يذكّر بركوب الزعيم الروسي في سيارة ترامب المصفحة “ذا بيست” خلال قمتهما في ألاسكا قبل ثلاثة أسابيع.
على أي حال، فإن زيادة الضغط على أوروبا للتوقف عن شراء نفط بوتين لن يكون حاسمًا على الأرجح وفقا لتحليل نشرته شبكة سي إن إن الأمريكية. فقد اتخذت القارة خطوات لتقليل اعتمادها على الطاقة الروسية منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا. فروسيا كانت أكبر مورد للنفط إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الدول الأعضاء فرضت منذ ذلك الحين حظرًا على صادرات النفط البحرية والمنتجات المكررة.
وذكرت مراسلة شبكة سي إن إن الأمريكية، لورين كينت الشهر الماضي أن واردات النفط إلى أوروبا انخفضت إلى 1.72 مليار دولار في الربع الأول من عام 2025، بعد أن كانت 16.4 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2021.

من جانبها، تكثف روسيا استراتيجيتها التقليدية المتمثلة في محاولة دق إسفين بين حلفاء الناتو، بينما تسعى لإيجاد مساحة لقواتها لدفع مزيد من المكاسب على جبهات القتال في شرق أوكرانيا.
خلال زيارته إلى الصين، التقى بوتين برئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، واتهم الأوروبيين بإثارة “هستيريا” بشأن مزاعم نية موسكو مهاجمة أوروبا. وقال بوتين: “أي شخص عاقل يدرك تمامًا أن روسيا لم يكن لديها يومًا، وليس لديها، ولن يكون لديها أي رغبة في مهاجمة أي طرف”، في تصريح يتناقض مع سجل قواته التي دخلت أوكرانيا في عامي 2014 و 2022.
وفي ألاسكا، حذّر بوتين — واقفًا إلى جانب رئيس أمريكي كثيرًا ما انتقد حلفاء بلاده — من أن على أوروبا ألا “تضع العصي في عجلة” دبلوماسيته مع ترامب.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، قالت المفوضية الأوروبية إن طائرة تقل رئيستها أورسولا فون دير لاين تعرضت لتشويش على نظام الملاحة GPS أثناء هبوطها في بلغاريا يوم الأحد، وإن روسيا مشتبه بها. وردت موسكو بوصف الادعاء بأنه “مزيف” ونتاج “بارانويا أوروبية”.
وفي هجوم آخر على أوروبا هذا الأسبوع، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا للصحفيين إن موسكو تعتبر فكرة نشر قوات أجنبية في أوكرانيا في حال التوصل إلى اتفاق سلام “غير مقبولة”. وكانت تلك أحدث محاولة من موسكو لإفشال مسعى أوروبي لنشر قوة ضمانات لأوكرانيا بعد الحرب.
ولا يلوح في الأفق أيضًا الاجتماع المرتقب بين بوتين وزيلينسكي الذي توقعت مسؤولو البيت الأبيض بثقة حدوثه خلال أسبوعين. فقد عرض بوتين إجراء المحادثات في موسكو، لكن بما أن من المستحيل أن يشعر زيلينسكي بالأمان في مثل هذا المكان، بدا العرض كمحاولة أخرى للعرقلة.

كان ترامب قد اقترح في السابق لعب دور الطرف الثالث في مثل هذه المحادثات، لكنه عاد إلى الموقف الروسي الذي يفضل اجتماعًا ثنائيًا أولًا. ويخشى حلفاء أوكرانيا أن يدبر بوتين مواجهة في اجتماع ثنائي يمكن أن يستخدمها لاحقًا ليقنع ترامب بأن زيلينسكي هو من عرقل العملية.
كان هناك بصيص تقدم يوم الخميس — وإن كان مشروطًا بنجاح مبادرة السلام التي أطلقها ترامب، والتي تعثرت قبل أن تبدأ فعليًا. لكن وبعد الاتصال بين ترامب وزيلينسكي وأعضاء “تحالف الراغبين” من حلفاء أوكرانيا، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن 26 دولة تعهدت بتقديم مساهمات لقوة حفظ سلام محتملة إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وقال ماكرون إنه إلى جانب تعزيز القوات المسلحة الأوكرانية ونشر قوات أوروبية في أوكرانيا، ينبغي أن يكون المكون الثالث لضمانات الأمن الأوكرانية “شبكة أمان أمريكية”. وأبلغت واشنطن حلفاءها أنها منفتحة على دور محدود في تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا.
