02:24 ص
السبت 30 أغسطس 2025
في خطوة تكشف عن مساعيه لفرض سيطرة أكبر على مفاصل الدولة، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من الإقالات التي استهدفت مسؤولين في هيئات فيدرالية مستقلة، مما يفتح الباب أمام اختبار غير مسبوق لحدود السلطة الرئاسية ويثير مخاوف عميقة بشأن استقلالية مؤسسات الدولة.
زلزال الإقالات
وعلى مدار ثلاثة أيام، شهدت واشنطن هذا الأسبوع عاصفة من القرارات الرئاسية، حيث أطاح ترامب بكل من ليزا كوك، محافظة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وسوزان موناريز، مديرة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وروبرت بريموس، المسؤول التنظيمي في قطاع السكك الحديدية.
ولم تكن هذه الإقالات عشوائية، بل استهدفت قطاعات يُفترض أنها تعمل باستقلالية عن النفوذ السياسي المباشر، مما يهدد بتداعيات كبرى على الأسواق المالية والسياسات الصحية والثقة العامة في المؤسسات، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
“استيلاء على السلطة”
وقد أثارت هذه الإقالات قلقًا واسعًا في أوساط الخبراء القانونيين والمختصين في السلطة الرئاسية، الذين يرون فيها تقويضًا خطيرًا لثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية.
إذ حذر ماكس ستير، رئيس “الشراكة من أجل الخدمة العامة”، من أن هذه الخطوة تمثل “استيلاءً كبيرًا على السلطة من قبل الرئيس”.
وأضاف: “الرئيس يمتلك سلطات واسعة، ولكن هناك حدود… اليوم، لدينا رئيس لا يعترف بأي من هذه الحدود”.
ومن جانبها، دقت جين مانرز، الأستاذة المشاركة في كلية الحقوق بجامعة فوردهام، ناقوس الخطر قائلة: “إذا سُمح لهذه الإقالة في الاحتياطي الفيدرالي بالمرور، فإن كل أحجار الدومينو الأخرى ستسقط”.
وأضافت: “لن تعود لدينا دولة إدارية يتمتع فيها صناع القرار بالحصانة من الضغوط السياسية السافرة”.
“ننفذ ما انتُخبنا من أجله”
وفي المقابل، يدافع البيت الأبيض بقوة عن قرارات الرئيس، مؤكدًا أن ترامب يتصرف ضمن سلطته القانونية لتنفيذ الأجندة التي انتخبه الشعب لتحقيقها.
وتصر الإدارة على أن إقالة موناريز وبريموس جاءت لعدم توافقهما مع رؤيتها، بينما تسعى لتركيز عمل مركز السيطرة على الأمراض على “مهمته الأساسية”.
ولخصت المتحدثة باسم البيت الأبيض، تايلور روجرز، هذا الموقف قائلة: “تستخدم إدارة ترامب كل أدوات السلطة التي يمنحها الدستور والكونغرس للسلطة التنفيذية لتطبيق أجندة ‘أمريكا أولًا’ التي بنى عليها الرئيس حملته الانتخابية”.
أذرع ترامب الممتدة خارج الحكومة
ولم تقتصر محاولات ترامب لفرض هيمنته على الوكالات الفيدرالية فحسب، بل امتدت لتشمل الحياة العامة والقطاع الخاص.
فخلال الأشهر السبعة التي قضاها في منصبه، أظهر الرئيس نهجًا عدوانيًا للسيطرة على المشهد العام، بدءًا من الضغط على شركات خاصة لتغيير قراراتها، وصولًا إلى التفاوض على استحواذ الحكومة على حصص في شركات تكنولوجية كبرى، والسعي لفرض سلطة على الجامعات الخاصة.
هذا النهج لخصه ترامب نفسه بكلماته هذا الأسبوع حين أعلن بثقة: “لدي الحق في أن أفعل أي شيء أريده”.
صمت المؤسسات الرقابية
وما يجعل توسع ترامب في سلطاته أمرًا لافتًا هو أنه، على عكس رؤساء طموحين سبقوه مثل أبراهام لينكولن وفرانكلين روزفلت، لم يواجه حتى الآن معارضة تذكر من السلطتين الموازيتين: الكونغرس والمحكمة العليا.
فقد أيدت المحكمة العليا، ذات الأغلبية المحافظة، بعض تأكيدات ترامب لسلطته التنفيذية، بما في ذلك قدرته على إقالة أعضاء وكالات تنظيمية مستقلة اسميًا.
ورغم أن المحكمة ألمحت في حكم حديث إلى وجود بعض القيود التي قد لا تمتد بالكامل إلى الاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن الرئيس ترامب مستعد لوضع هذا التلميح على المحك، فاتحًا الباب أمام معركة ستحدد شكل السلطة في أمريكا لسنوات قادمة.

