جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لم يُبالغ أساتذة الإعلام والصحافة في تعريف العنوان الصحفي عندما وصفوه بـ كونه «العتبة الأولى للنص» سواء كان عنوانًا رئيسيًا أو ثانويًا أو حتى تمهيديًا، لكون العنوان هو ما يحدد هوية النص وكذلك هوية كاتبه وهوية المؤسسة الصحفية التي يعمل بها.
نفس هذا الأمر ينطبق على انتخابات الشيوخ الأخيرة، التي بدأت من عنوانها بـ فرض قائمة واحدة من خلال أحزاب لا تمثل إلا نفسها بسبب دخولها هذا العالم من باب المال فقط، التي لديها اقتناع كامل بأن من يمتلك المال يمتلك الحياة السياسية للدخول إلى بوابة البرلمان بشقيه النيابي والشيوخ.
أوحت انتخابات الشيوخ الأخيرة للناخبين بـ تراجع دورهم الرئيسي في التصويت، لأنه لا يصح ولا يُعقل أن يكون الجمهور مُجبرًا على انتخاب قائمة واحدة لأحزاب -هامشية- تم اختيار ممثليها على أساس المال فقط.
ما حدث في انتخابات الشيوخ الأخيرة أبعد من انتخابات يُطلق عليها وصف «الجدية» بل لكونها كانت محاولة لتلقين الناخبين قواعد جديدة في العملية الانتخابية وتثبيت إرادة شعبية جديدة من وجهة نظرهم..
لأنه حين تُستبدل عمليات الانتخابات الجادة بـ فرض أسماء على الناخبين لأحزاب -لا تُمثل إلا نفسها- فنحن أمام واقع لا يُشبه إلا فيلمًا خياليًا فحسب بل تجاوز لكل هذا وذاك.
الجميع يعرف أن من يسيطر على قواعد ومفردات اللغة من المؤكد أن يسيطر سيطرة تامة على سماء الخيال، وهذا ما نشاهده في الضيوف المُلمة إلمامًا بالغًا بالمعلومات الدقيقة لتكون لها المهمة الرئيسية في تأليف بل وصناعة الحكاية بكل تفاصيلها.. إلا أننا لا نعرف هبوط ما يُسمى بـ«الباراشوت» الذين دخلوا عالم البرلمان والسياسة من خلال نظام انتخابي يُسمى بـ«القائمة».
وأصعب ما في مثل هذه المعادلات أن يُطلب من ممثلي هذه الأحزاب -الهامشية- التلويح بعلامات الفوز في أي انتخابات نيابية، من أجل أن يبدو بأن إرادة الناخبين الحقيقية التي هزمتهم قد تبدو منتصرة.
والسؤال هنا يدور حول ما هي الغاية التي نلوح بها ليل نهار بأننا في حالة فوز وانتصار، وذلك في اللحظة التي تشير إلى أن الهزيمة هي من نستثمر فيها، عندما صدَّرت الأحزاب أشخاصًا للمشهد البرلماني في انتخابات الشيوخ تدور عليها وحولها علامات استفهام كثيرة.
وما دامت المؤسسات الصحافية سلّطت الأضواء على سلبيات هذه النماذج المرشحة للبرلمان واختلاف المجتمع حول ترشيح هذه الأسماء وانتقادها، فإن انتصار هذه الأحزاب -الهامشية- سيظل معلقًا حتى لو ظهرت بأن نتيجتها من أعلى نسب التصويت.
في كل الأحوال، انتهت مباراة الأحزاب التي خاضت انتخابات الشيوخ وربحت من وجهة نظرها..
إلا أنها وضعت الدولة أمام حائط سد في الدفاع والتبرير للشعب لأي قضية قد تحدث، لأن البرلماني الذي كان دوره الرئيسي متمثلًا في حلقة التواصل بينه وبين الشارع سيكون مفقودًا، لأن نجاحه كان محسومًا بالفوز في نظام القائمة قبل إجراء الانتخابات.
وبهذه الطريقة، التي جرت بها انتخابات الشيوخ، قد يتحول البرلمان بغرفتيه إلى برلمان ما يُسمى بـ برلمان تصريف الأعمال يقضي في الأمور المعيشية للمواطن إلا أنه لا يمتلك ترف مناقشة ومعالجة القضايا المهمة على كافة المستويات سواء كانت الأمنية أو السياسية أو الاقتصادية أو حتى الاجتماعية.
وأخيرًا وليس آخرًا، أنه لن يكون الاعتراف بالخسارة جادًا وواقعيًا إلا إذا جاء مصحوبًا بتوفير الرغبة الجادة في إجراء انتخابات برلمانية حقيقية تُمثل فيها الإرادة الشعبية الحقيقية للناخبين، وإلا فمن المؤكد أن تكون مثل هذه المراجعات تتكرر مرات عديدة في ذاكرة شبه خاوية.
حفظ الله مصر وشعبها ومؤسساتها.
