03:20 م
الثلاثاء 13 مايو 2025
أسيوط ـ محمود عجمي:
في محافظة أسيوط، وتحديدًا في بيت بسيط يعبق بنفحات القرآن وأصوات المتون، وُلدت حكاية استثنائية لطفل لم يتجاوز الثامنة من عمره، لكنه حمل في صدره ما يعجز عنه كثير من الكبار؛ أنس مصطفى ربيع، أو كما يُلقب بـ”الواعظ الصغير”، لم يكن طفلًا عاديًا، بل كان مشروع عالم صغير، ينمو على مهل، بين صفحات الكتب وأبيات الشعر العلمي.
بدأت الحكاية حين جلس الطفل ذو الخمس سنوات إلى جوار والده، الدكتور مصطفى ربيع، الواعظ بالأزهر الشريف، يستمع إليه وهو يقرأ المتون العلمية التي طالما حفظها في شبابه؛ لم يكن الأب يقصد أن يُعلّم، بل كان يقرأ لنفسه، لكن أنس كان يصغي بقلبه قبل أذنه، يردد ما يسمعه، ويقلد نبرة والده، حتى بدأ الحفظ يتسلل إلى ذاكرته الصغيرة كالماء في التربة العطشى.
“كل شيء سهل مع الطفل، فقط الصبر والاستمرار”، هكذا وصف الأب رحلته مع أنس، الذي لم يمنعه حبه للعب من أن يحفظ أكثر من 2000 بيت من المتون، إلى جانب حفظه للقرآن الكريم؛ كان أنس يلهو في النهار، ويعود في المساء ليغوص في بحور العلم، يردد أبيات المتون وكأنه يروي حكاياته الخاصة.
أكد الدكتور مصطفى ربيع، الواعظ الأول بالأزهر الشريف ووالد الطفل أنس المعروف بلقب “الواعظ الصغير”، أن نجله الطالب بالصف الثاني الابتدائي بالأزهر الشريف، قد حصل على المركز الأول في مسابقة “فارس المتون” التي نظمتها المنطقة الأزهرية بمحافظة أسيوط.
وأوضح الدكتور ربيع، في تصريح خاص لمصراوي، أن رحلة أنس مع حفظ المتون والقرآن الكريم بدأت في سن الخامسة، مشيرًا إلى أن المتون العلمية تمثل أساسًا راسخًا في تكوين طالب العلم الأزهري منذ القدم، حيث تتضمن مسائل علمية منظومة في أبيات شعرية، قد يتراوح عددها بين 100 و1000 بيت.
وأضاف: “أنا من خريجي الأزهر ونشأت على حفظ هذه المتون، وقد بدأت مع أنس بالاستماع والتقليد، حتى أحبها وأتقنها”.
وأشار إلى أن أنس، رغم صغر سنه، يمارس حياته الطبيعية ويلعب مع أقرانه، إلا أن سر تميزه يكمن في الاستمرارية والصبر، مؤكدًا أن الطفل يحفظ حتى الآن نحو 2000 بيت من المتون العلمية، إلى جانب مواصلته حفظ القرآن الكريم بدعم من أسرته.
وقد حظي أنس بتكريم خاص من مجلس جامعة الأزهر، حيث أهداه فضيلة الأستاذ الدكتور سلامة داود، رئيس الجامعة، درع الجامعة، ليكون بذلك أول طفل يحصل على هذا التكريم الرفيع. كما تم تكريمه من قبل وكيل الأزهر الشريف والمنطقة الأزهرية بأسيوط.
وعن شعور الأسرة بعد هذا التكريم، قال الدكتور مصطفى ربيع: “سبق لنا أن التقينا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، لكن هذه المرة كانت مختلفة؛ فقد أصر فضيلته على أن يجلس أنس على كرسيه، ووقف ليستمع إليه، في مشهد مهيب غمره السكينة والرهبة، وأثر في جميع الحاضرين”.
وأضاف أن الإمام الأكبر وجه رسالة مؤثرة إلى أنس، حثه فيها على مواصلة حفظ المتون والقرآن الكريم، مؤكدًا أن هذا التكريم المعنوي كان بمثابة دعم كبير للأسرة بأكملها، ودافعًا لمواصلة المسيرة العلمية.
