07:59 ص
الأحد 01 يونيو 2025
كتب – رمضان يونس:
بلهفة خرج “سيف وائل” من منزله بمنطقة بولاق الدكرور إلى منطقة حدائق الأهرام بالجيزة، لتسليم أوراق تعيينه حين أخبره مدير مطعم “ماكدونالدز” أن إدارة الشركة قبلته. فرحة عارمة كانت تعلو وجه الطالب بالصف الثاني الثانوي “سياحة وفنادق”، لكن ما كان ينتظره فاق أي توقع.
تعيين لم يكمل
قبل مغيب شمس أخر يوم من أبريل الماضي، خرج “سيف” من المقر الإداري لشركة “ماكدونالدز” بحدائق أكتوبر، وفي يده حلمه الذي انتظره طيلة عام، بعد عناء بين الشغل والدراسة: “مضيت ورق تعييني وقلت أرجع أُسلمه في الفرع اللي هشتغل فيه”، ليستقل ميكروباص الذهاب إلى فرع الشركة بمول العرب لاستلام عمله.
على أطراف مدينة أكتوبر، أمام الحي السابع بطريق الواحات، كان الموقف ضبابيًا. عشرات السيارات متوقفة على جانب الطريق دون سبب واضح. ظن البعض أنه ازدحام مروري كالمعتاد، لكن سرعان ما انقلبت الأمور فجأة.
انفجار مدوٍّ كأن بركانًا
انفجار مدوٍّ كأن بركانًا انفجر في الطريق، دون أي سابق إنذار، تلاه نيران كثيفة صاحبتها رائحة غاز لا تُحتمل من شدتها، طالت الجميع في موقع أعمال صيانة.
“ببص كده أول ما فتحت باب الميكروباص لقيت النار في وشي.. والعربيات بتولع كلها في الشارع”، يقول “سيف” في تصريحات لمصراوي، إنه سابق الزمن من أجل النجاة من لهيب النيران التي طالته: “واحدة ست هي اللي طلعتني من النار، وهي اتصابت برضه من الانفجار، وناس تانية كانوا معانا في الميكروباص”.
آمال تحترق في الميكروباص
ما كان يأمله “سيف” من تحقيق آماله بالعمل في المطعم، لتخفيف العبء عن والدته كونه الابن الوحيد لها بعد انفصالها عن والده منذ سنوات، انتهى قبل أن يبدأ: “ورق تعييني اتحرق قدامي، وأنا مش قادر أطلع من النار في الميكروباص”، ليبقى الحادث المؤلم، على حد وصفه، كابوسًا يطارده كلما تذكر مشواره الأخير على طريق أكتوبر.
داخل مبنى طوارئ مستشفى زايد التخصصي، خضع “سيف” لرحلة علاج قصيرة دامت نحو 5 ساعات، على إثرها نقلته إدارة المستشفى إلى مستشفى إمبابة، حيث قسم الحروق، وذلك لعدم توفر رعاية صحية للحروق. وقد أصيب بحروق من الدرجة الثانية والثالثة: “جسمي كله حروق، ومش عارف أنام ولا حتى أقعد”.
ثلثي شهر بين الألم والأمل
20 ليلة قضاها “سيف” داخل مستشفى الموظفين بإمبابة. تعافى طالب الثانوي من الحروق نسبيًا، فيما نصحه أحد الأطباء المعالجين بالخروج: “الدكاترة قالولي أخرج من المستشفى عشان نفسيتي تتحسّن.. وأنا مشيت عشان بدأت أحرّك إيدي ووشّي بدأ يخف”.

معاناه لم تنتهِ بعد التعافي
معاناة “سيف” لم تنتهِ بخروجه من الرعاية؛ فهناك رحلة علاج طويلة الأمد يخضع لها ابن العقدين في أحد مراكز التجميل بالجيزة، على أمل أن يتعافى تمامًا من آثار حروق وجهه ويديه: “كل يومين عايز 700 جنيه تجميل وعلاج وتغيير للحروق”، فيما تُحمّل أم “سيف” مسؤولية علاج ابنها على الشركة التي تسببت في الفاجعة: “هو كان بيشتغل في الشهر بـ3000 عشان بيصرف علينا، دلوقتي هو في الأسبوع عايز زيهم علاج.. أجيبهم منين؟ ابني عايز عمليات تجميل في إيديه عشان ترجع زي الأول”.
3 ساعات من الألم داخل المحكمة
على مقعد خشبي داخل محكمة جنح أكتوبر، جلس “سيف” صباح أمس السبت لنحو 3 ساعات، يئن من ألم الحروق، ينتظر بفارغ الصبر استجوابه من قبل القاضي كونه أحد الضحايا، وانتهاء جلسة محاكمة المتسببين في إصابته وآخرين (8 وفيات – 16 مصابًا) جراء انفجار خط غاز على طريق الواحات، عقب تعافيه جزئيًا من الحروق التي طالته.
رحلة علاج طويلة الأمد
طالب مدرسة الأورمان بحي كرداسة “سيف”، لا يطلب سوى العلاج، إما على نفقة الشركة التي أهملت في تنفيذ المشروع وكان إهمالها سببا في الانفجار أو نفقة الدولة، ومحاسبة المقصرين والمتسببين في وقوع الحادث، كي يعود إلى دراسته وعمله لينفق على أسرته.
محكمة جنح أول أكتوبر قررت حجز نظر محاكمة المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”حادث انفجار خط غاز أكتوبر”، والمتهم فيها 6 من موظفي شركة مقاولات خاصة ومكاتب استشارات هندسية، بالتسبب عن طريق الخطأ والإهمال في وقوع الانفجار، لجلسة 14 يونيو المقبل للفصل في أوراق الدعوى.

وخلال انعقاد ثاني جلسات المحاكمة، طالب دفاع أسر الضحايا بإحالة القضية إلى النيابة العامة لضم رئيس جهاز مدينة السادس من أكتوبر كمتهم أساسي في القضية، وليس شاهدًا، بينما طلب دفاع المتهمين تشكيل لجنة من كلية الهندسة، ومتخصصين من الهيئة العامة للبترول، ومهندسين من هيئة الطرق والكباري، بالإضافة إلى خبراء من وزارة العدل، لبيان مدى الالتزام بمعايير الأمن والسلامة في أعمال تجديد خط الغاز محل الواقعة، والتحقق مما إذا كان جهاز مدينة 6 أكتوبر قد قام بمعاينة موقع الحفر، وذلك لتحديد مسؤولية شركة الغاز أو شركة المقاولات أو الجهاز عن الحادث.
