03:23 م


الأربعاء 07 مايو 2025

كتبت- سهر عبد الرحيم:

منذ استقلالهما في عام 1947، لم تعرف العلاقات بين الهند وباكستان طريقًا مستقرًا، إذ طغت عليها أزمات متتالية وحروب كانت نتيجة نزاعات حدودية وصراعات سياسية عميقة الجذور، وكان إقليم كشمير قلبها النابض. ومع كل جولة تصعيد، كانت المنطقة تقف على حافة هاوية، لكنها كانت تنجو، حتى الآن.

أما التصعيد العسكري الحالي الذي أشعله “الهجوم الإرهابي” على سائحين هنود في الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير في أبريل الماضي، فرغم تشابه الأسباب، إلا أن ملامحه تختلف جذريًا عن الماضي. فكلا البلدين يمتلكان الآن ترسانة نووية ضخمة، وقوات مسلحة مدعومة بتقنيات متطورة تشمل الطائرات المسيّرة، والصواريخ الدقيقة، وقدرات إلكترونية واستخباراتية متقدمة.

في ظل هذه المعطيات، يصبح أي تصعيد، مهما بدا محدودًا، حاملًا لاحتمالات كارثية قد تتجاوز حدود جنوب آسيا لتؤثر على الأمن الدولي بأسره.

عملية “سندور” 2025

شنت الهند، صباح اليوم الأربعاء، هجمات عسكرية مفاجئة على 9 مواقع في باكستان والشطر الذي تديره إسلام آباد من كشمير، ما أسفر عن مقتل 26 شخصًا وإصابة 46 آخرين. وقالت نيودلهي إنها استهدفت، في عمليتها التي سمتها بـ”سندور”، مواقع “البنية التحتية الإرهابية” لجماعة “لشكر طيبة” بعد أن فشلت باكستان في التحرك ضد الجماعات المتمركزة في أراضيها والتي تقف وراء الهجوم الإرهابي الذي أودى بحياة 26 سائحًا بمنطقة باهالجام في جامو الشهر الماضي.

ومن جانبها، لم تأخذ باكستان وقتًا طويلًا في الرد على الضربات؛ إذ سرعان ما أعلن رئيس الوزراء شهباز شريف، بدء الرد الانتقامي على القصف الهندي الذي وصف بـ”الجبان”. وبعدها بدأ الجيشان قصفًا متبادلًا على طول خط وقف النار في إقليم كشمير المتنازع عليه.

كما كذّبت باكستان، على لسان وزير دفاعها خواجة محمد آصف، ادّعاءات الهند بأن القصف استهدف بنى تحتية إرهابية وأنها لم تستهدف منشآت عسكرية لإسلام آباد، مؤكدًا أن جميع المناطق التي استهدفها القصف مدنية. وأعلنت إسلام أباد أنها أسقطت 5 طائرات.

تفجير بولواما 2019

كان آخر تصعيد خطير بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير في عام 2019، حين قُتِل 40 جنديًا هنديًا على الأقل في تفجير بولواما، المدينة التي تقع جنوب إقليم جامو وكشمير. وردًّا على ذلك، شنت الهند غارات جوية على معسكرات تدريب تابعة لجماعة “جيش محمد” في منطقة بالاكوت داخل الأراضي الباكستانية، لكن التصعيد توقف قبل تحوّل المواجهة إلى حرب شاملة.

وفي أول عملية من نوعها منذ عام 1971. أعلنت الهند أن الغارات استهدفت منشآت إرهابية، بينما نفت باكستان وقوع خسائر بشرية أو مادية، معتبرةً أن الطائرات الهندية أسقطت حمولتها في منطقة غير مأهولة. ورافق ذلك حزمة إجراءات صارمة اتخذتها نيودلهي منها: حشد آلاف الجنود، وقطع الإنترنت والاتصالات في الإقليم، وتسلم نيودلهي إدارة الإقليم مباشرةً، واعتقال آلاف الكشميريين، بمن فيهم زعماء سياسيون مؤيدون للهند، فيما فاجئت هذه الخطوات المراقبين الدوليين.

في خطوة بدت وكأن العلاقات الهندية الباكستانية سوف تتخذ منحى جديد وأن البلدين قد تكونان على أعتاب سلام دائم، عندما استضاف رئيس وزراء باكستان نظيره الهندي فبراير 1999 في زيارة رسمية، بعد مرور عقد كامل من آخر زيارة قام بها رئيس وزراء هندي لباكستان. وتم توقيع وثائق تؤكد التزامهما بتطبيع العلاقات بينها.

لكن بعد 3 أشهر فقط، اندلعت الحرب مجددًا في مايو 1999، وسُميت بـ”حرب كارجيل”، بعد أن تسلل مسلحين من باكستان إلى الجزء الخاضع للهند، وأكدت الأخيرة أن هؤلاء المسلحين جنود باكستانيون، بينما نفت إسلام أباد ضلوع قواتها، قائلة إنهم “مقاتلون مستقلون”.

وردًا على ذلك، شنت الهند عملية عسكرية واسعة النطاق، أُطلق عليها اسم “عملية فيجاي”، لاستعادة السيطرة على تلك المواقع. استمرت المعارك حتى يوليو من نفس العام، وأسفرت عن مئات القتلى من الجانبين، مع تأكيد نيودلهي على استعادة جميع المواقع التي كانت تحتلها القوات الباكستانية. وانتهى التصعيد بعد تدخل مباشر من الولايات المتحدة واستعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب.

“عملية براستكس” 1986-1987

في عام 1987، شهدت العلاقات بين الهند وباكستان تصعيدًا عسكريًا خطيرًا على الحدود المشتركة بين البلدين. تزامن ذلك مع إجراء الهند لعملية عسكرية واسعة تُعرف باسم “عملية براستكس” بين نوفمبر 1986 ومارس 1987، والتي اعتُبرت الأكبر من نوعها في جنوب آسيا. وردًا على هذه العملية، قامت باكستان بتعبئة قواتها على الحدود، مما زاد من حدة التوترات بين الجارتين النوويتين. أثارت هذه التطورات مخاوف دولية من احتمال اندلاع حرب شاملة بينها.

كما تصاعدت التوترات السياسية بين البلدين في 1987 إثر خلافات حول انتخابات محلية عُدّت مزوّرة، إذ اتجه بعض الكشميريين إلى العنف المسلح، واتهمت الهند باكستان بدعم هذا التوجه.

تقسيم رسمي 1972

شهد عام 1971 حربًا إقليمية أدت إلى انفصال باكستان الشرقية عن باكستان، وتأسيس بنجلاديش، وفي أعقاب الحرب قررت باكستان والهند إعادة النظر في مسألة كشمير العالقة والسعي إلى تطبيع العلاقات بينهما، إذ وقّع رئيس باكستان ذو الفقار علي بوتو، ورئيسة وزراء الهند إنديرا جاندي، في 2 يوليو 1972 اتفاقية “شيملا” في مدينة شيملا الهندية. نصت الاتفاقية على احترام خط السيطرة في كشمير، وحل النزاعات بين البلدين بالوسائل السلمية، وتعزيز العلاقات الثنائية لتحقيق السلام الدائم في المنطقة .

ورغم أن الاتفاق لم يبدّل الكثير في الواقع، فإنه حمل أملًا بتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.

حرب كشمير الثانية 1965

في عام 1965، اندلع صراع عسكري بين الهند وباكستان سُمي بـ”حرب كشمير الثانية”، جراء تصاعد التوترات حول إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه. بدأت الحرب عندما شنت إسلام أباد “عملية جبل طارق” عبر خط وقف النار في كشمير في أغسطس 1965. وتحول الاشتباك المسلح على الحدود إلى حرب استمرت نحو 3 أسابيع وخلّفت دمارًا واسعًا.

وفي 22 سبتمبر 1965. تم انتهاء الأعمال العدائية ووقف إطلاق النار، إلا أن القضايا الأساسية لم تُحل، وظل النزاع حول كشمير مصدرًا دائمًا للتوتر بين البلدين. وفي يناير 1966، وقّعت الهند وباكستان اتفاقًا لحل الخلافات مستقبلًا بالطرق السلمية. إلا أن هذا الهدوء لم يستمر طويلًا.

انتهاء الحرب الأولى 1949

انتهت أول حرب بين الهند وباكستان بشأن إقليم كشمير المتنازع عليه في يناير 1949، بعد تدخل الأمم المتحدة للتوسط في وقف إطلاق النار، وبموجب شروط الاتفاق؛ رُسم خط يقسّم الإقليم، فاحتلت الهند نحو ثلثيه، وباكستان الثلث المتبقي. وكان من المقرر أن يكون هذا الخط مؤقتًا إلى حين التوصل إلى تسوية سياسية دائمة؛ إلا أنه استمر حتى الآن.

وبموجب اتفاق وقف النار، أحكمت الهند سيطرتها على مناطق جامو ولاداخ ووادي كشمير، وسمتها “جامو وكشمير”، بينما سيطرت باكستان على مناطق آزاد كشمير وجيلجيت بالتستان، وسمتها “آزادي كشمير (كشمير الحرة)”.

بداية الأزمة 1947

بدأ الخلاف حول إقليم كشمير تقريبًا منذ استقلال الهند وباكستان في عام 1947، بعدما قسمت بريطانيا مستعمرتها السابقة شبه القارة الهندية إلى دولتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة، بينما تُرك مصير كشمير معلقًا.

وبعد أشهر قليلة من التقسيم، ادعت كل من البلدين حقّها في الإقليم، فاندلعت المواجهة العسكرية التي استمرت حتى يناير 1949 وانتهت بعد تدخل الأمم المتحدة، واضطر الأمير الهندوسي الذي كان يحكم كشمير، والذي رفض في البداية التنازل عن سيادته، الانضمام إلى الهند مقابل ضمانات أمنية، بعد دخول ميليشيات باكستانية أجزاءً من إقليمه.

لتتشكل أزمة إقليم كشمير، الذي أصبح ساحة صراع مفتوحة بين قوتين نوويتين تتنازعا على فرض السيادة عليه وهو الأمر الذي يضع العالم أمام أزمة متفجرة جديدة في إحدى أكثر المناطق مأهولة بالسكان.

شاركها.
Exit mobile version