10:05 ص
الجمعة 23 مايو 2025
واشنطن- (د ب أ)
جاءت القمة التي جمعت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا في وقت حساس في العلاقات بين البلدين ، وسط تراكم الخلافات السياسية والاقتصادية وتباين المواقف من القضايا الدولية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الشراكة بين واشنطن وبريتوريا.
وتقول الباحثة ميشيل جافين في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، إنه لا يمكن أن تكون خلفية الاجتماع الذي عُقد في 21 مايو بين ترامب ورامافوسا أكثر قتامة. ففي غضون أشهر قليلة، أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها الخارجية للبلاد، وبددت الآمال بتمديد اتفاقية تجارية قائمة، وهددت بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 30%، وطردت سفير جنوب أفريقيا من واشنطن، ووجهت مرارا اتهامات للحكومة بالتقاعس عن التصدي لإبادة جماعية جارية في البلاد. وبالفعل، وبالرغم من أن إدارة ترامب لا تُعرف باهتمامها الخاص بالشؤون الأفريقية، إلا أن تركيزها اللافت على تطورات الأوضاع في جنوب أفريقيا، سواء كانت حقيقية أم متخيلة، يُعد استثناء واضحا.
وتوجد خلافات حقيقية وجوهرية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا تعود إلى ما قبل الأزمة الدبلوماسية الحالية، وقد أثارت قلقا مشتركا بين الحزبين في الكونجرس الأمريكي منذ وقت طويل قبل بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب.
وترى قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي لا يزال الحزب السياسي المهيمن في جنوب أفريقيا رغم فقدانه للأغلبية المطلقة، العالم من منظور أيديولوجي تعتبر فيه الولايات المتحدة عائقًا أمام إقامة عالم أكثر عدالة، بينما تقدم دول مثل إيران وروسيا والصين، رغم قمعها العنيف للمعارضة في الداخل، صيغة أكثر إيجابية بكثير.
ورغم أن جنوب أفريقيا تدعي أنها تتبنى سياسة عدم الانحياز، فإن رد فعلها تجاه غزو روسيا لأوكرانيا كشف عن استعدادها لمنح موسكو هامشا واسعا من التسامح، وأظهر أن معارضتها للإمبريالية تتسم بتناقض عميق.
وفي عام 2023، وبتعبير عن التعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية المنتشر عبر القارة، رفعت حكومة جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بشن حملة إبادة جماعية في غزة. وتعرض الدعم العسكري الأمريكي المستمر لإسرائيل لانتقادات لاذعة، ويتهم العديد من الجنوب أفريقيين الولايات المتحدة بالنفاق وازدواجية المعايير في تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان.
ومؤخرا، أدى حرص جنوب أفريقيا، شأنها شأن العديد من الدول الصغيرة، على التعددية وسعيها لإصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس بشكل أفضل مصالح القارة الأفريقية، إلى اصطدام مع ازدراء إدارة ترامب لتلك المؤسسات نفسها، وإصرارها على أن تعيد تشكيل نفسها لتعكس أولويات واشنطن. ولا يوجد مثال أوضح على ذلك من الرفض الأمريكي الظاهر لقمة مجموعة العشرين المقبلة المزمع عقدها في جنوب أفريقيا، وهو موقف تم تفسيره تارة على أنه اعتراض على شعارات القمة التي تركز على “المساواة والتضامن والاستدامة”، وتارة أخرى كاحتجاج على ما يُزعم أنه اضطهاد للبيض في جنوب أفريقيا.
وترى جافين أن هذه القضايا تشكل جدول أعمال مزدحما، لكن الحسابات السياسية الداخلية تلعب أيضا دورا في مواقف كلا الرئيسين. فرامافوسا، من جهته، يرى أن الوقوف في وجه الرئيس ترامب والتأكيد على أن جنوب أفريقيا لن ترضخ للترهيب أمر بالغ الأهمية. وقد رجح خصومه السياسيون أن زيارته إلى واشنطن مغامرة غير محسوبة، وأي إشارة إلى التراجع أو الضعف ستُعد خيانة لقيم جنوب أفريقيا وسيادتها.
وفي الوقت نفسه، فإن مواجهة محتملة في البيت الأبيض قد تحمل مكاسب سياسية. إذ يدرك رامافوسا جيدا أن استهداف ترامب لشخص ما يمكن أن يتحول إلى ورقة قوة سياسية قادرة على توحيد الرأي العام، كما أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في كندا وأستراليا.
ها من شيطنة جنوب أفريقيا، لا سيما لدى شريحة من قاعدته الانتخابية تُبدي حساسية شديدة تجاه أي مساعٍ لمعالجة المظالم التاريخية، وتنزع لتصديق نظريات المؤامرة المتعلقة باضطهاد البيض. ويبدو أن الرئيس الأمريكي يعتقد بوجود جمهور متقبل لمزاعمه الكاذبة بشأن الإبادة الجماعية في جنوب أفريقيا، ولحملات إدارته البارزة لإعادة توطين “لاجئين” من البيض الجنوب أفريقيين. وهو يهوى الاستعراضات الرمزية للقوة، وقد يرى في جنوب أفريقيا ساحة مثالية لإيصال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة ستعاقب الدول الأضعف التي لا تصطف خلف مواقفه المفضلة.
ومن المرجح أن تكون عواقب هذا التوجه السياسي وخيمة على الولايات المتحدة. فالشركات الأمريكية العاملة في جنوب أفريقيا ستتضرر إلى جانب نظيراتها الجنوب أفريقية، وستؤدي النتيجة إلى ازدياد حماس جنوب أفريقيا للتقارب مع الصين وروسيا، وإلى معوقات اقتصادية تصب في مصلحة فاعلين سياسيين داخل جنوب أفريقيا أكثر عداء للولايات المتحدة من الحكومة الحالية.
وسينشأ جيل جديد من الجنوب أفريقيين يرى في الولايات المتحدة خصما حريصا على إفشال ديمقراطيتهم متعددة الأعراق، بينما سيستغل خصوم واشنطن على الساحة العالمية سعي إدارة ترامب لمعاقبة جنوب أفريقيا لتصوير أمريكا كقوة شريرة على المسرح الدولي.
وتخلص جافين إلى أنه حتى لو توصل ترامب ورامافوسا إلى اتفاق، فقد تكون هذه الخطوة تراجعا مؤقتا عن حافة الهاوية، لا بداية لمرحلة جديدة. إذ لا بد لأي اتفاق أن يحقق نتائج إيجابية على ضفتي الأطلسي، كي يتمكن من تجاوز التباينات العميقة في الرؤى والضغوط الداخلية المستمرة التي لا تزال تشدّ الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في اتجاهين متباينين.
