01:24 ص
السبت 10 يونيو 2023
كتب: محمود الطوخي
تخطت الساعة الـ 12 ظهرا ولا زالت أبواب فرع “باتا” بحي الدقي مغلقة، كثيرون جلسوا على الرصيف المقابل كان على إسماعيل من بينهم، انتظر لساعة أو أكثر بقليل موعد فتح المحل الذي تأخر كثيرا على غير عادته، وما أن نفد صبره ذهب يسأل بعض العاملين بمطاعم مجاورة عن موعد العمل، يقول الرجل الخمسيني: “سألت ناس كتير بس بيقولوا إنه المفروض يكونوا شغالين دلوقتي…اتعودت من زمان اشتري من باتا علشان أسعاره أحسن من المحلات التانية”.
قبيل الواحدة ظهرا أنهى عاملان انتظار إسماعيل وافتتحا الأبواب التي غلّقت، ليبدأ بعدها عدد من الزبائن بالدخول والتجول بحثا عما يتناسب مع أذواقهم على اختلافها، لكن خياراتهم كانت محدودة إلى حد كبير، فغالبية الأرفف كانت خالية من الأحذية وبالتحديد من منتجات شركة باتا عدا قطعة واحدة من “كوتشي باتا” الشهير، واكتفي الفرع بعرض أحذية وملابس لماركات أخرى: “في وكلاء متعاقدين مع المعارض بيدفعوا فلوس ويعرضوا بضاعتهم هنا”.
رغم ذلك لم يكن العاملان على دراية بالقرار الأخير للشركة التي تم إنهاء شخصيتها الاعتبارية يوم الإثنين الماضي ودمجها في شركة “المحاريث للهندسة” الحكومية، ففي الغد القريب ستحل بعض الآلات الميكانيكية محل الأحذية والملابس.
في عام 2021 أسندت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية مهمة بحث أوضاع شركة باتا وتطويرها إلى كلية الهندسة بجامعة القاهرة، كما كشف المسؤولون عن اتجاه لتصنيع أحذية “السيفتي”، لكن الرياح أتت بما لا يشتهيه مسؤولو “باتا” فتوقفت المصانع عن العمل وأصبحت منتجاتها أشباح داخل الفروع.
لطالما حظيت الشركة بشهرة واسعة على مدار عقود طويلة، ربما كان سبب ذلك الحذاء الأبيض “كوتشي باتا” الذي يبلغ سعره حاليا نحو 50 جنيها، الأيقونة التي عاشت ذكراها مع المصريين لفترات مترامية.
لقيت الأحذية التي تنتجها شركة “باتا” منذ أن تأسست في 1894 بمدينة زلين التشيكية على يد توماس وأنطوين وآنا باتا، رواجا ًكبيراً بعد افتتاح الفرع الأول داخل مصر في ثلاثينيات القرن الماضي؛ لانخفاض أسعارها نسبيا مقارنة بجودتها العالية، ما شجّع الإخوة باتا على إنشاء مصنع لتغطية احتياجات السوق المصري، مع استحداث فروع جديدة في بعض المحافظات الأخرى.
“ناس كتير بتيجي تسأل عن كوتشي باتا وبيزعلوا لما يعرفوا إنه مابقاش موجود منه غير كمية قليلة مقاس 40 بنجيبها من المخزن في شبرا” هكذا تقول الموظفة التي تعمل بأحد فروع “باتا” بالقاهرة منذ أكثر من 30 عاما، الفرع كان أكثر اتساعا عن مثيله بحي الدقي وما زال عامرا ًببضائع لماركات أخرى أيضا، فالشركة “باتا” ما عادت تصنّع منتجاتها من الأحذية وخلافها منذ فترة ليست بالقليلة، واعتمدت الأفرع على ما كان بالمخازن طوال تلك الفترة.
على مدار أكثر من 90 عاما واجهت الشركة التي تم تأميمها عام 1961 أزمات عدة، فلحقت بها خسائر متتابعة أدت إلى تخفيض أعداد العمالة واختزال أفرعها التي كان يبلغ عددها 312 منفذا بحسب موقع وزارة قطاع الأعمال، إلا أن متحدث الوزارة يقول إن عدد الفروع الحالية أقل من ذلك بكثير.
تتذكر المرأة الخمسينية زملاءها الذين كانوا يعملون معها بالفرع قبل تسريحهم منذ فترة كبيرة فلم يعد هناك سواها وزميلها فقط داخل الفرع حاليا: “دلوقتي فيه لجنة بتلف على الفروع تعمل جرد للبضاعة اللي موجودة… بس مفيش حد عرفنا أي حاجة”.
الآن غابت الشمس عن باتا الشهيرة فباتت على أعتاب النسيان، والصورة الذهنية التي تقترن بالاسم العريق بمجرد سماعه تؤول إلى أن تكون ذكري قد تتلاشي مع مرور الأيام، لكنها ستترك ذكراها لدي علي إسماعيل: “كنت دايما بشتري كوتشيات باتا لأولادي من هنا وهما صغيرين”.