06:44 م
الخميس 01 مايو 2025
الشرقية – ياسمين عزت:
في أحد شوارع المدينة، وبين أروقة السلخانة ومقاعد الدراسة، يتحرك أحمد حسين، ابن السابعة عشرة، بين عالمين لا يجتمعان في حياة أغلب أقرانه. طالب في الصف الثاني الثانوي “شعبة علمي علوم”، يعمل جزارًا بجانب والده منذ أن كان في الصف الرابع الابتدائي، ويحلم بأن يصبح طبيب أسنان، لا لشيء إلا لأنه وجد شغفه في تشريح الأسنان، ورأى في ذلك طريقًا قد يغيّر مستقبله ومستقبل أسرته.
بدأت رحلة المسؤولية مبكرًا، حين رحل شقيقه الأكبر عن الحياة، فانتقلت أعباء الأسرة إلى كتفي أحمد الصغير. “قالولي: لازم تسندني زي أخوك”، هكذا أخبرته والدته، فكان لها السند، وكان لوالده الذراع اليمنى في العمل.
أحمد لا يقضي إجازاته في اللعب أو التنزّه مثل أبناء جيله، بل ينزل إلى العمل من السابعة صباحًا حتى العصر، وفي المواسم حتى العشاء. يساعد في محل الجزارة، ويدخل عنبر السلخانة حيث تتصاعد الأبخرة من الماء الساخن، ويكدّ وسط ظروف قاسية، متحمّلًا مشقة العمل رغم الألم الجسدي والتعب المستمر. “الشغل ده مرهق جدًا، بس أنا متعود.. ووالدي علّمني أشتغل بضمير”، يقولها بنبرة هادئة فيها الكثير من النضج.
ورغم الإرهاق، لم يتخلَّ أحمد يومًا عن دراسته، بل تمسّك بها أكثر. وجد في الأحياء مادته المفضلة، وأحب تشريح الأسنان، فصار يقرأ عنها في أوقات فراغه، يحفظ تركيبها وعددها، ويطمح إلى الالتحاق بكلية طب الأسنان.
أحمد ليس مجرد طالب طموح، بل نموذج لشباب يعرف معنى المسؤولية منذ الصغر. يقف اليوم على مفترق طريق بين حلمه العلمي وواقع العمل الشاق، لكنه لا يعرف اليأس. “أنا بذاكر علشان نفسي.. وعلشان أحقق حلم أمي وأبويا”، يختم حديثه بابتسامة فيها إصرار لا يُكسر، مؤكدًا أنه، مستقبلًا، عندما يصبح طبيبًا ماهرًا في تخصص الأسنان، سيواصل دعم ومعاونة والده.
