12:12 ص
الخميس 20 يوليه 2023
كتب- محمود الطوخي:
السجائر، تلك اللفافة البيضاء التي تَرسّخ لدى البعض فكرة مغلوطة عن قدرتها على تنفيس الضغوط المختلفة في العمل أو غيره، هكذا هي قناعة محمد سعيد الذي اعتاد تدخين علبتين منها يوميا خلال عمله بمهنة المعمار حيث يتقاضي نحو 150 جنيها، لكن ارتفاع الأسعار الذي تفاجأ به حينما همّ بشرائها جعله يعيد التفكير مجددا: “كنت بجيب العلبتين بـ 50 جنيه دلوقتى بقوا ثمن علبة واحدة”.
يبلغ عدد المدخنين في مصر نحو 18 مليون نسمة بنسبة 16.8% من المواطنين، بمتوسط إنفاق سنوي على التدخين 2665.4 جنيها للأسرة، بحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
خلال جولة قامت بها مصراوى على بعض الأكشاك ومحال بيع الجملة، ومحطات الوقود التي التزمت بالتعريفة الرسمية التي أقرّتها الشركة الشرقية للدخان، فإن عددا كبيرا منها بات لا تتوفر لديه السجائر، يقول عامل بإحدى المحطات بالدقي: “بقالنا أسبوع مفيش سجاير وكنا بنبيع علبتين كحد أقصي لكل فرد”.
أزمة ارتفاع أسعار السجائر الجنونية التي بدأت مستهل يونيو الماضي، أعقبها سيل من الاتهامات من المواطنين للبائعين ومنهم إلى تجار الجملة الذين اتهموا بدورهم الشركة الشرقية للدخان بافتعالها، فمن المسؤول؟ وما هي الأسباب؟.
بداية يونيو الماضي سجّلت أسعار السجائر ارتفاعا في الأسعار ليبلغ ثمن العلبة 45 جنيها، ضعف ما أعلنته الشركة الشرقية للدخان “إيسترن كومبانى” بـ 23 جنيها للأنواع المحلية مثل (البوكس، الكليوباترا، السوبر) حينها، حتي وصل سعرها في بعض المناطق حاليا 50 جنيها.
لم ينقطع الباحثون عن الدخان عن محل أحمد محمد بمنطقة شبرا مصر، إلا أن السجائر التي تضاعفت أسعارها بين ليلة وضحاها لا تتوفر لديه منذ بضعة أيام يقول أحمد لـ “مصراوي”: “السجاير مش موجودة ومندوب الشركة مش بييجي غير لو دفعنا له فلوس ليه ولا بيرضي يدينا أكثر من قاروصتين”.
اعتاد أحمد استقبال مندوب الشركة يوميا بالمحل، فكان بإمكانه أن يحصل على كميات أكبر من التي يتحصل عليها حاليا طوال أسبوع كامل، لكن المندوب انقطع عن المجئ: “قبل الأزمة كنت ممكن آخذ كل يوم بدل القاروصة 5 في اليوم الواحد.. بس دلوقتي مابيجيش أساسا”.
لجأ الشاب مضطراً إلى شراء السجائر من تجار الجملة بمنطقة باب البحر، إذ تبلغ أسعارها أكثر من ضعف ثمن ما يشتريه من الشركة، وبالتالي يبيعها هو الآخر بسعر أكبر قليلا: “سجاير الشركة كانت بتخلص في نفس اليوم عشان كدة بنضطر نشتري من تجار الجملة وهما إللي بيحددوا الأسعار”.
استهلك المواطنون نحو 70 مليار سيجارة خلال العام المالى 2021_ 2022، وفق تقرير للشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومبانى).
رغم ارتفاع الأسعار، تشهد أسواق الجملة في شارع باب البحر بمنطقة وسط البلد انتعاشة في تجارة تقدر بمئات آلاف الجنيهات، عربات محملة بعشرات كراتين السجائر تنفد في دقائق معدودات، وصفوف امتدت لبضعة أمتار أمام المحال حتى وقت متأخر من الليل.
مع بدء الأزمة اتجهت كافة الأطراف إلى تبادل الاتهامات، وخصّت الشركة الشرقية للدخان تجار الجملة بالتسبب في ارتفاع الأسعار، إلا أن التجار يؤكدون أن الشركة هي المسؤولة عن تصدير تلك الفكرة للشارع، يقول أحمد مشمش تاجر جملة: “الشركة بتبيع لنا بأسعار غير اللى بتعلنها للناس.. وهي الوحيدة اللى ممكن تحل الأزمة لو وزعت على المحلات بالسعر اللى بتعلنه بس هي مش عايزة كده”
يتوقع مشمش ثبات الأسعار نسبيا خلال الفترة الحالية وعدم انخفاضها لما كانت عليه قبل الأزمة مستشهدا بالذهب: “الذهب من سنتين كان بحوالى 700 جنيه شوف النهاردة وصل كام ومانزلش”.
من جهته اتهم إبراهيم الإمبابي رئيس شعبة الدخان بالغرفة التجارية، الحكومة بالتقصير في السيطرة على الأسواق، وكذلك التأخّر في إقرار الزيادات الرسمية والتي كان من المنتظر ألا تتخطى 4 جنيهات كحد أقصى، وهو ما دفع التجار إلى تخزين كميات كبيرة من السجائر تحسبا لارتفاع أسعارها، ليترتب عليه الزيادات الجنونية التي تشهدها الأسواق دون رقيب.
وأخيرا كشفت شركة فيليب موريس مصر في بيان لها عن زيادة في أسعار منتجاتها من السجائر والتبغ المسخن تتراوح بين 3 إلى 5 جنيهات بداية من غدٍ الخميس، ليرتفع سعر عبوة (مارلبورو) بأنواعها من 54 إلى 59 جنيه، وعبوة (إل أند إم) من 39 إلى 42 جنيه، وفق علي كرمان، المدير العام لفيليب موريس مصر والمشرق: “تأتي هذه الزيادة في الأسعار كضرورة للاستمرار في تأمين قدرتنا على تزويد المدخنين ومستخدمي النيكوتين البالغين في مصر بالمنتجات عالية الجودة التي يبحثون عنها”.
أزمة الأسعار الحالية فرضت على محمد سعيد وكثير من المدخنين فكرة الإقلاع عن التدخين بعدما فاقت كلفتها تحملهم: “كل يوم كنت بروح أشتري سجاير ألاقيها زادت 3 أو 4 جنيه.. ده إذا كانت موجودة”.