11:55 ص
الأحد 29 أكتوبر 2023
تصوير- هاني رجب:
كتب- أحمد السعداوي:
انطلق أسبوع القاهرة السادس للمياه، اليوم الأحد، تحت عنوان “العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الاستدامة”، والذي يُقام تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة من ٢٩ أكتوبر إلى ٢ نوفمبر ٢٠٢٣، وبحضور عدد كبير من الوزراء والوفود الرسمية وكبار المسؤولين في قطاع المياه والعلماء والمنظمات والمعاهد الدولية ومنظمات المجتمع المدني والسيدات والمزارعين والقانونيين من مختلف دول العالم.
وألقى الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، كلمة رحب فيها بجميع الحضور في مصر التي تستضيف للعام السادس على التوالي هذا المؤتمر الدولي المهم المعني بقضية المياه.
وينشر “مصراوي” نص كلمة الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، في الجلسة الافتتاحية لـ”أسبوع القاهرة السادس للمياه”..
معالي الوزراء ورؤساء الوفود والسفراء..
الحضور الكريم..
يسعدني أن أرحب بكم اليوم جميعاً في الجلسة الافتتاحية لـ”أسبوع القاهرة السادس للمياه”؛ الذي ينعقد هذا العام تحت عنوان “العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الاستدامة”؛ تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية.
السيدات والسادة.. إن هذا المؤتمر الدولي الهام يُعد فرصة للقاء أشقائنا من مختلف دول العالم والمنظمات ذات الصلة بقضايا المياه لتوحيد الرؤى والجهود العالمية حيال دمج قضايا المياه بملف التغيرات المناخية، وتعزيز أواصر التعاون والتبادل العلمي والتقني بين الدول ورفع الوعي المجتمعى بقضايا المياه وتشجيع الأفكار المبتكرة لمواجهة التحديات المائية بدءاً من طلاب المدارس وصولاً إلى الخبراء والعلماء والسياسيين والتنفيذيين.
السادة الحضور.. إن لقاءنا اليوم يأتي في وقت يواجه فيه العالم تحديات متزايدة لتوفير احتياجات المياه وضمان استدامتها، خاصة مع النمو السكاني المتزايد واستمرار التطور الإنساني وما يستتبعه من زيادة الطلب على المياه، ولا يقتصر الأمر على الزيادة السكانية والحضرية فحسب، ولكن ما يواجه العالم من تغيرات مناخية أصبحنا نشهدها في العديد من الظواهر التي تؤثر على قطاع المياه في كافة دول العالم مما كان له العديد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية.
ففي عام ٢٠٢٢ فقط تأثر أكثر من ١١٠ ملايين شخص في القارة الإفريقية بشكل مباشر بالمخاطر المتعلقة بالمناخ والمياه، مما تسبب في أضرار اقتصادية تزيد على ٨.٥٠ مليار دولار أمريكي، وتم تسجيل ٥٠٠٠ حالة وفاة ٤٨٪ منها مرتبطة بالجفاف و ٤٣٪ مرتبطة بالفيضانات وفقا لقاعدة بيانات أحداث الطوارئ بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، مما أضاف المزيد من التعقيدات لمساعي توفير المياه بشكل مستدام وبنوعية مقبولة ووضع تحديات إضافية أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف السادس الخاص بالمياه وتحقيق الأمن الغذائي على المستوى العالمي في ظل الترابط القوى بين المياه والغذاء والطاقة متوجهًا بالشكر إلى الوزيرة رانيا المشاط، على مجهودها في برنامج “نوفي”.
وفي هذا السياق.. لا يمكن أن نغفل آثار الحروب على إمداد السكان بالاحتياجات الضرورية للحياة في ما يتعلق بإمدادات المياه والغذاء والكهرباء؛ مثلما هو الوضع في قطاع غزة المنكوب، وإضافة إلى ما خلفه العدوان الجاري على الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي حصد أرواح ما يزيد على ٧٠٠٠ شخص في غضون 3 أسابيع فقط، فإن تدهور الأوضاع الإنسانية وفقدان الاحتياجات الأساسية للحياة يجعل هذا الرقم قابلًا للزيادة بصورة كبيرة.
السادة الحضور.. إن اختيار موضوع أسبوع القاهرة السادس للمياه “العمل على التكيف في قطاع المياه من أجل الاستدامة”، للبناء على مخرجات وتوصيات أسبوع القاهرة الخامس للمياه العام الماضي “المياه في قلب العمل المناخي” ليعكس تلك التحديات والعمل على لفت أنظار المجتمع الدولي وحشد جهوده لوضع ملف المياه على رأس العمل المناخي العالمي.
السادة الحضور.. لعل مصر خير مثال للدول التي تعاني من العديد من التحديات المترتبة على ندرة المياه وتغير المناخ، حيث تأتي مصر على رأس قائمة الدول القاحلة والأقل من حيث معدل الأمطار التي لا تتجاوز ١.٣٠ مليار متر مكعب سنويًّا، مع الاعتماد شبه المطلق على نهر النيل بنسبة ٩٨% والذي يأتي من خارج حدود الوطن، ويبلغ نصيب الفرد في مصر من المياه سنوياً نصف حد الفقر المائي عالميًّا ويتم سد الفجوة بين الموارد المائية المتاحة المقدرة بنحو ٦٠ مليار متر مكعب والطلب على المياه المقدر بـ١١٥ مليار متر مكعب عن طريق إعادة الاستخدام ٢١ مليار متر مكعب سنويًّا، بالإضافة إلى استيراد ما يفوق ٣٤ مليار متر مكعب من المياه الافتراضية في صورة أغذية.
ويتعاظم التحدي مع التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية التي تؤثر على مصر سواء من خلال ارتفاع درجات الحرارة وما ينتج عنها من زيادة الاستخدامات المائية أو من خلال السيول الومضية التي صارت أكثر تطرفاً أو من خلال ارتفاع منسوب سطح البحر والنوات البحرية التي تؤثر سلباً على المناطق الساحلية على الرغم من تناقص هطول الأمطار بنسبة تتجاوز الـ٢٠% خلال الثلاثين عامًا الماضية، بالإضافة لتأثر مصر بالتغيرات المناخية بسائر دول حوض النيل باعتبار أن مصر هي دولة الأخيرة في المصب بدول حوض نهر النيل.
السادة الحضور.. في مواجهة هذه التحديات.. فإن مصر تبذل مجهودات ضخمة ومتواصلة على كافة الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية.
فعلى الصعيد الوطني.. تبنت مصر سياسة مائية تقوم على الاستخدام الرشيد والمستدام لمواردها المائية مع الاعتماد المتزايد على الموارد المائية غير التقليدية، وذلك على التوازي مع سياسة غذائية توازن ما بين إنتاج الغذاء محليًّا واستيراده لتوفير الأمن الغذائي.
وتقوم بتنفيذ استثمارات هائلة لرفع كفاءة منظومة المياه لديها، من خلال تطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي، وأعمال تطهير وتأهيل الترع والمصارف، حيث تم حتى الآن تأهيل ٧٢٠٠ كم، وجار العمل في تأهيل ٣١٠٠ كم، كما تقوم الوزارة بتأهيل محطات الرفع وإحلال وتجديد ٤٥ محطة تخدم ١.٧٠ مليون فدان، وتحديث ٦ محطات للطوارئ، وتأهيل المنشآت المائية المقدرة بما يزيد على ٤٧ ألف منشأ بمختلف أنحاء الجمهورية، هذا بخلاف التحول لأنظمة الري الحديث بالأراضي الرملية ومزارع قصب السكر والبساتين، وتحقيق الإدارة الرشيدة للمياه الجوفية غير المتجددة، وتنفيذ ١٦٠٠ منشأ للحماية من أخطار السيول وحصاد المياه، كما تهتم الوزارة بمشروعات حماية الشواطئ المصرية، والتي تمتد على مدى ١٢٠ كم لحماية استثمارات مقدرة بـ٢.٥٠ مليار دولار واستعادة ١.٨٠ مليون متر مكعب، مع التوسع في إعادة استخدام المياه عدة مرات لسد جزء من الفرق بين الموارد والاحتياجات المائية مثل محطات المعالجة الكبرى في بحر البقر والحمام وبذلك يبلغ إجمالي استثمارات الدولة المصرية في مجال المياه خلال السنوات التسعة الماضية ٤.٤٠ مليار دولار.
السادة الحضور.. على ضوء ما تقدم، فإن وجود تعاون مائي فعَّال عابر للحدود يُعد بالنسبة لمصر أمراً وجودياً لا غنى عنه، ولكي يكون هذا التعاون ناجعاً فإن ذلك يتطلب مراعاة أن تكون إدارة المياه المشتركة على مستوى “الحوض” باعتبار الحوض وحدة متكاملة، بما في ذلك الإدارة المتكاملة للمياه الزرقاء والخضراء، كما يتطلب ذلك مراعاة الالتزام غير الانتقائي بمبادئ القانون الدولي واجبة التطبيق، لا سيما مبدأ التعاون والتشاور بناء على دراسات فنية وافية، وهو المبدأ الذي يُعد ضرورة لا غنى عنها لضمان الاستخدام المنصف للمورد المشترك وتجنب الأضرار ما أمكن.
واتصالاً بذلك.. تبرز أخطار التحركات الأحادية غير الملتزمة بتلك المبادئ على أحواض الأنهار المشتركة، والتي يُعد أحد أمثلتها السد الإثيوبي الذي تم البدء في إنشائه منذ أكثر من ١٢ عاماً على نهر النيل دونما تشاور ودون إجراء دراسات وافية عن السلامة أو عن آثاره الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على الدول المتشاطئة، وتستمر عملية البناء والملء بل والشروع في التشغيل بشكل أحادي، وهي الممارسات الأحادية غير التعاونية التي تشكل خرقاً للقانون الدولي؛ بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام ٢٠١٥، ولا تتسق مع بيان مجلس الأمن الصادر في سبتمبر عام ٢٠٢١، وهو ما يشكل استمرارها خطراً وجودياً على أكثر من مئة مليون مواطن على أرض مصر، وعلى الرغم مما يتردد من أن السدود الكهرومائية لا يمكنها أن تشكل ضرراً، لكن حقيقة الأمر أن مثل هذه الممارسات الأحادية غير التعاونية في تشغيل هذا السد المبالغ في حجمه يمكن أن يكون لها تأثير كارثي، ففي حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومائة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من ١٥% من الرقعة الزراعية المصرية، بما يترتب على ذلك من مخاطر ازدياد التوترات الاجتماعية والاقتصادية وتفاقم الهجرة غير الشرعية، كما يمكن أن تؤدي تلك الممارسات إلى مضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية.
وعلى الرغم من ذلك تستمر مصر في مساعيها الحثيثة للتوصل في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد المذكور، على النحو الذي يراعي مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائية مع الحيلولة دون إلحاق الضرر به وبما يحقق المنفعة للدول الثلاث، وهو الأمر الذي يتطلب أن تتبنى جميع أطراف التفاوض ذات الرؤية الشاملة التي تجمع بين حماية المصالح الوطنية وتحقيق المنفعة للجميع.
كما تحرص مصر على تعزيز أواصر التعاون والتكامل مع دول حوض النيل ونقل الخبرات المصرية لها في كافة المجالات، وهو ما يتمثل في العديد من مشروعات التعاون الثنائي التي تنفذها الدولة المصرية في دول حوض النيل مثل مشروعات مقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى والمساهمة في الحد من مخاطر الفيضان والحفاظ على القرى والمدن المطلة على البحيرات من أخطار الفيضانات، وكذلك إنشاء خزانات حصاد مياه لأغراض الشرب والاستخدامات المنزلية وإنشاء محطات مياه الشرب من المياه الجوفية، بالإضافة الى إنشاء محطات قياس المناسيب والتصرفات وإنشاء مراكز للتنبؤ، كما تهتم مصر ببناء القدرات لكل الفنيين من مختلف الدول الإفريقية.
وعلى الصعيد الدولي.. انخرطت مصر وبفاعلية في كافة المبادرات الدولية المائية التي تهدف لتحقيق المزيد من التعاون الدولي في التعامل مع قضايا المياه وتحدياتها، حيث تمكنت مصر – خلال رئاستها لمؤتمر COP27 – وبالتعاون مع الشركاء الدوليين من وضع المياه في قلب العمل المناخي العالمى من خلال تنظيم مائدة مستديرة رئاسية عن الأمن المائي، واستضافة جناح خاص للمياه، ويوم خاص للمياه للمرة الأولى فى تاريخ ال CO، وإطلاق مبادرة دولية للتكيف فى قطاع المياه (AWARe) والتي تهدف لتنفيذ مشروعات على الأرض بالدول الإفريقية للتكيف مع التغيرات المناخية، كما تم تتويج كل هذه الجهود بإدراج المياه للمرة الأولى على الإطلاق في القرار الجامع covering decision الصادر عن مؤتمر المناخ COP27، وقد كان لأسبوع القاهرة الخامس للمياه لعام ٢٠٢٢ دور مهم في الإعداد لفعاليات مؤتمر COP27.
كما تشرف مصر برئاسة مجلس وزراء المياه الأفارقة (AMCOW) لمدة عامين، حيث تعمل مصر جاهدة خلال رئاستها في الدفع بإحراز تقدم في ملف المياه على مستوى القارة الأفريقية، فضلاً عن إبراز تحديات القارة على الأجندة العالمية، حيث تم تدشين “المركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي” PAN AFRICAN تحت مظلة المبادرة الدولية للتكيف بقطاع المياه AWARe ، والمعنى بتنفيذ حزم تدريبية متنوعة في شتى مجالات إدارة المياه، من أجل بناء كوادر قادرة على التعامل مع ملف المياه في ظل التحديات المتفاقمة المرتبطة بتغير المناخ .
كما تواصل مصر مساعيها من خلال مشاركتها الفعالة في كافة المحافل الإقليمية والدولية وبصفتها رئيسا للمجلس بقيادة العديد من الجلسات والموائد المستديرة، وإجراء مناقشات مع المانحين لحشد المزيد من التمويل لتحقيق الأمن المائي في القارة وتحقيق رؤية افريقيا للمياه ٢٠٢٥ وما بعدها بما يتماشى مع أجندة إفريقيا ٢٠٦٣ “إفريقيا التي نريد”، ونذكر في هذا الإطار مؤتمر الأمم المتحدة للمياه الذي عقد هذا العام للمرة الأولى من ٤٦ عامًا، حيث قامت مصر بدور فعال في القيادة المشتركة مع دولة اليابان في الحوار التفاعلي الثالث حول المياه والمناخ والذي أسفر عن توصيات مهمة تساعد في رسم خارطة الطريق لعقد الأمم المتحدة للمياه المقرر عام ٢٠٢٨ .
كما تشارك مصر بصفتها رئيسًا المجلس الحالى لوزراء المياه الأفارقة بإدارة الحوار الإقليمي الإفريقي للمنتدى العالمي العاشر للمياه (World Water Forum) المزمع عقده في بالي إندونيسيا عام ٢٠٢٤، وذلك لتأكيد تضمين الرسائل والأولويات الإفريقية وتضمينها بالأجندة المائية العالمية.
ويأتي أسبوع القاهرة السادس للمياه الذي نشهد بدء فعالياته اليوم كحدث تحضيري لمؤتمر المناخ القادم COP28 والمقرر عقده في غضون شهر من الآن بدولة دولة الإمارات العربية الشقيقة، حيث سيتم رفع التوصيات الصادرة عن أسبوع القاهرة السادس للمياه كمدخلات لفعاليات المياه في مؤتمر المناخCOP28 .
السادة الحضور.. ختاماً أود أن أؤكد على سعادتي بوجودي معكم اليوم في هذا الجمع الكريم وأشكركم جميعاً على المشاركة، وأود التأكيد على أهمية المناقشات المتوقعة خلال هذا المؤتمر في وضع حلول مشتركة لتحديات الندرة المائية وتغير المناخ والأمن الغذائي التي يواجهها المجتمع الدولي، وبلورة رسالة واضحة وتعهدات ملزمة لكافة الأطراف للعمل التشاركي والتعاون الإقليمي والدولي لتوحيد الجهود لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية علي قطاع المياه ، وحشد الجهود من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا وللأجيال القادمة .