02:15 م
الخميس 17 أكتوبر 2024
المنيا- جمال محمد:
في قلب مدينة المنيا، حيث يلتقي نهر النيل بالأراضي الخصبة، يقف شاهداً على عصور مضت مسجد عريق يحمل بين جدرانه قصصاً وأسراراً.
“مسجد اللمطي”، هذا الصرح الإسلامي الذي يمتد تاريخه إلى ما يقرب من ألف عام، يحكي قصة صمود وتحدٍ أمام الزمن، يقال إن مياه الفيضان كانت تغمره في الماضي، ومع ذلك فقد صمد واستمر في أداء دوره الروحي لآلاف المصلين.. فى السطور التالية، نكشف الأسرار التي يخفيها هذا المسجد العتيق والقيمة التاريخية التي يمثلها؟
تاريخ إنشاء المسجد
يعود تاريخ إنشاء مسجد اللمطي بمدينة المنيا إلى أواخر العصر الفاطمي حوالي عام 549 هـ على يد الصالح طلائع بن رزيك، وتم تجديده عام 578 هـ / 1183 م على يد أحد أفراد أسرة الأمير نجم الدين أبو اللمطي من أمراء العصر الأيوبي، وجرى بنائه على ضفاف نهر النيل بمدينة المنيا ويقع إلى الشمال من المسجد العمراوي وجنوب مسجد الفولي وبجواره الآن قصر هدى باشا شعراوي .
أقيم مسجد اللمطي بالمنيا بمنطقة كانت عبارة عن وحلة طين قديماً، استغلت تلك المساحة الكبيرة ليُقام بها هذا المسجد وليس على أطلال معبد أو كنيسة قديمة كما يردد البعض، ولكن تم استغلال أعمدة وتيجان المعابد الرومانية واليونانية وبعض الكنائس القديمة لبناء هذا المسجد.
يشبه تخطيط مسجد الرسول
جاء تخطيط المسجد متأثراً بتخطيط مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما يعرف باسم المساجد الأولى في الإسلام فجاء عبارة عن صحن أوسط سماؤه مكشوف، يُحيط به أربع مظلات، وأضيف له فيما بعد مئذنة ومقصورة أثناء التجديدات العثمانية التي أدخلت على المسجد، ودورات للمياه بالناحية الجنوبية.
يُصنف مسجد اللمطي ثاني أقدم مساجد مدينة المنيا بعد مسجد الوداع “العمراوي” إلا أنه أكبر مساحة، وتبلغ مساحته أكثر من فدان وبذلك يعد أكبر المساجد الأثرية وغير الأثرية بالمنيا.
استراحة هدى شعراوي
كان بالمسجد استراحة للمناضلة الوطنية هدى هانم شعراوي، ابنة محافظة المنيا، وكانت تقيم فيها وقت صلاة الظهر يوم الجمعة، وتحولت الاستراحة إلى مقر إقامة دائم لإمام وخطيب المسجد نفسه له و لأسرته فيما بعد، وبعد ذلك أصبحت مكتبة للكتب القديمة المتهالكة التي تُجمع من المساجد على مستوى المحافظة، ثم أصبحت مخزن للأوقاف، ثم تحويلها الآن لمقر مكاتب إدارة الأمن الصباحي و المسائي، واستراحة للتفتيش وكبار الزوار و استقبال الوفود الأثرية.
يعرف أغلبية أهل المنيا هذا المسجد بمسجد الشيخ سعد، نسبة لضريح الشيخ سعد الذي ألحق بالمسجد من ناحيته الغربية، والشيخ سعد دياب هو أحد رموز الصوفية بمحافظة المنيا، توفي ودفن بميدان على مقربة من مسجد اللمطى، ووقت الفيضان كان يتسبب في تلف ضريحه وأثناء زيارة الخديوي إسماعيل للمنيا، لاحظ إصابة مياه فيضان النيل للضريح، فأمر سريعاً بنقل الضريح من الميدان وإلحاقه بمسجد اللمطي ومنذ ذلك الوقت يلقبه البعض بمسجد الشيخ سعد .
وكان للمسجد في الناحية الشمالية منه سقيفة تتقدم واجهته عبارة عن رواق من ستة أعمدة وبعض التيجان والقواعد الخاصة بها والتي تهدمت تماماً عام 1974 م إثر زلزال، فلم يبقى منها شيء، وهي تشبه إلى حد كبير سقيفة مسجد الصالح طلائع بالقاهرة، وتلاحظ أثرياً التشابه الكبير بين مسجد اللمطي ومسجد الصالح طلائع بن رزيك بالقاهرة الفاطمية 555 هـ، من حيث التخطيط و المسقط والسقيفة التي كانت تتقدم المسجد .
سرداب للوضوء من النيل
ضم المسجد قديمًا في الناحية الشمالية الشرقية أحد السراديب، وكان يؤدي إلى حوض خاص بالوضوء من النيل مباشرة قبل انحسار النهر عن المسجد، وكانت أيضاً بجوارها مرفأ للسفن والقوارب القادمة للمنيا في القرون السابقة.
كان للمسجد العديد من الأدوار الهامة، فمنها أنه كان له دور سياسي واقتصادي، فمن خلاله كان يُعلن عن الفرمانات السلطانية والمراسيم وإصدار الأحكام والعقوبات واستقبال الوفود السياسية ويوجد نص تاريخي هام يرجع إلى عام 843 هـ / 1439م، وهو نص المرسوم الضريبي المجاور للمحراب، ويرجع هذا المرسوم إلى العصر المملوكي وإلى عصر السلطان جقمق، بالإضافة إلى النواحي الاجتماعية والعلمية، إذ كان يعقد فيه حلقات الزواج وحلقات دينية، ودروس وتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة والحساب، واللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم.