11:46 ص
الخميس 29 أغسطس 2024
نيويورك – (د ب أ)
تراجع ترتيب ملف كوريا الشمالية على جدول أعمال الإدارة الأمريكية خلال العامين الأخيرين في ظل تركيز الاهتمام على الحرب الروسية الأوكرانية ثم التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط الناجمة عن الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر الماضي بعد هجوم الفصائل الفلسطينية المسلحة على المستوطنات والقواعد الإسرائيلية في غلاف غزة.
ورغم ذلك سيظل هذا الملف هاجسا قويا لدى الإدارة الأمريكية الجديدة بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل لما تمثله كوريا الشمالية من تهديد خطير لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وبخاصة كوريا الجنوبية واليابان.
وفي تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية طرح ديلان موتن الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية والزميل غير المقيم في المنتدى الباسيفيكي للأبحاث سؤالا عما إذا كانت سياسات كامالا هاريس ودونالد ترامب تجاه كوريا الشمالية ستختلف كثيرا.
ويجيب موتن الزميل غير المقيم في المركز الأوروبي للدراسات الكورية الشمالية على السؤال بالقول إن إدارة المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هاريس في حال فوزها بالانتخابات قد تتواصل مع بيونج يانج بصورة أقل وضوحا من إدارة ترامب، لكنها ستكون أكثر اهتماما بالدبلوماسية من إدارة بايدن الحالية، التي تعاملت بقدر كبير من عدم الاهتمام بكوريا الشمالية، في حين أن إدارات كلينتون وبوش الابن وأوباما وترامب السابقة تعاملت بشكل أكثر فاعلية مع الملف الكوري الشمالي سواء بالترغيب أو الترهيب.
لكن الرئيس جو بايدن اكتفى بترديد عبارة أن باب الدبلوماسية يظل مفتوحا دون أن يتخذ أي تحرك ملموس.
ومن المفهوم أن الأزمات العالمية المتعددة قلصت قدرة إدارة بايدن على الانخراط في مبادرات جديدة، لكن انهيار نظام العقوبات على بوينج يانج وتطويرها السريع لقدراتها النووية، وتحالفها مع روسيا، وعلاقاتها المهينة للولايات المتحدة مع الصين، تجعل الوضع الراهن الموروث من العقد الأول للقرن الحادي والعشرين أمرا غير مقبول، لذلك سواء فازت هاريس أو ترامب فإن تغيير السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية قادم لا محالة.
وتنتمي هاريس بوضوح إلى جيل أصغر من جيل جو بايدن الذي عاصر ذروة الحرب الباردة عندما كانت كوريا الشمالية مجرد بيدق صغير في يد الاتحاد السوفيتي الشيوعي.
كما أنها رأت الاختراق الدبلوماسي الحاسم الذي حققه الرئيس الأسبق باراك أوباما مع كوريا الشمالية عام 2012 فيما عرف باتفاق “يوم السنة الكبيسة” الذي تم توقيعه يوم 29 فبراير من ذلك العام ووافقت فيه كوريا الشمالية على تجميد برامجها النووية والصاروخية مقابل رفع العقوبات الأمريكية، ورغم أن قمة ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون لم تحقق شيئا فإنها أظهرت أن التواصل لا يساوي الاستسلام ولا المكافأة لكوريا الشمالية، كما كان يخشى الكثيرون من المحافظين الجدد في واشنطن.
ويرى موتن أن الجناح التقدمي المسيطر حاليا في الحزب الديمقراطي أصبح أكثر صراحة في التعامل مع السياسة الخارجية مقارنة بالماضي، كما أصبح أقل عداءً تجاه كوريا الشمالية مقارنة بمعسكر الوسط الذي كان يهيمن تقليديا على الحزب، وهو ما يعني أن التعامل الدبلوماسي مع بوينج يانج أصبح أقل تكلفة سياسيا بالنسبة لرؤساء الولايات المتحدة.
والحقيقة أن البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي خلا من الإشارة إلى “النزع الكامل والقابل للتحقق بالنسبة للسلاح النووي الكوري الشمالي”، ورغم أن حملة الحزب سارعت إلى محاولة طمأنة المواطنين إلى أن المسألة النووية الكورية الشمالية ستظل أولوية، فإن إدارة هاريس الجديدة قد لا تستثمر طاقة إضافية من أجل الضغط على كوريا الشمالية، وإنما قد تفتح الباب أمام الدبلوماسية على أساس أن النزع الكامل القابل للتحقق للسلاح النووي لم يعد خيارا واردا بالنسبة لبيونج يانج.
ويرى ديلان موتن أن فتح قنوات الاتصال مع كوريا الشمالية يمكن أن يكون مفيدا لثلاثة أسباب، منها أن هاريس رأت أفضل من أي شخص آخر استحالة محاولة هزيمة روسيا في أوكرانيا وزيادة القدرات الدفاعية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ودعم إسرائيل وإدارة أزمات الشرق الأوسط واحتواء صعود قوة الصين بشكل متزامن، وبالتالي فإنها سترغب في تقليل النقاط الساخنة من خلال استقرار العلاقات مع كوريا الشمالية.
السبب الثاني هو أن صعود قوة الصين وطموحاتها سيجبر الإدارة الأمريكية على إعادة التركيز على التهديد الصيني، وسيكون لدى واشنطن حافزا قويا لتسوية ملف كوريا الشمالية حتى تحشد كل قدراتها لمواجهة الخطر الصيني واحتمال نشوب صراع كبير حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي، وبقاء الأمر الواقع القائم على ممارسة أقصى درجات الضغط على بيونج يانج لن يؤدي إلا إلى دفعها لأحضان الصين، في حين أن مواجهة الصين وكوريا الشمالية في وقت واحد هو أخر شيء يمكن أن يخدم المصالح الأمريكية.
أما السبب الثالث فهو تأثير السياسات الداخلية التافهة على خيارات الإدارة الأمريكية الجديدة في هذا الملف، فقد أصبحت السياسة الخارجية الفاترة القائمة على رد الفعل للرئيس بايدن عبئا على رصيد إدارته الشعبي، لذلك قد ترغب هاريس في تحقيق نجاحات خاصة بها على صعيد السياسة الخارجية، ولما كان الضرر الذي لحق بعلاقات واشنطن مع كل من موسكو وبكين لا يمكن إصلاحه حاليا، فإن كوريا الشمالية تعتبر بين عدد قليل للغاية من الخصوم الرئيسيين للولايات المتحدة التي يمكن تحقيق اختراق دبلوماسي واقعي معها.
أخيرا، يمكن القول إن الاختلاف بين سياسة هاريس وسياسة ترامب تجاه كوريا الشمالية سيكون شكليا أكثر منه طبيعيا، فكوريا الشمالية ستكون بالنسبة لكليهما قضية ثانوية مقارنة بالصراع مع الصين وروسيا، كما أن نزع السلاح النووي لها سيكون مستحيلا في المستقبل المنظور، وفي حين قد ينخرط ترامب مع بيونج يانج عبر دبلوماسية أحادية على مستوى القمة، فمن المرجح أن تفضل هاريس إعادة الدفء تدريجيا إلى العلاقات مع كوريا الشمالية بمشاركة كوريا الجنوبية واليابان.