11:42 م
الأحد 25 فبراير 2024
دبي – محمد سمير فريد وأحمد جمعة:
لم تتخيل السيدة المصرية فتحية محمود، يوماً أن تصبح قصة حياتها مثارًا لإلهام، أو صناعة أمل، فما قامت به كان وليد ظروف وقته، إذ صنعته بفطرة بحثًا عن لقب “أم” بعد حرمان دام نحو 30 عاماً.
لكنها وبعد 19 عاما أخرى، وقفت على مسرح الحفل الختامي لمبادرة “صُناع الأمل” تتسلم جائزتها من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ليمر شريط طويل من الذكريات والصعوبات والأحلام، لتبكي، ومعها يتعالى تصفيق الحضور، وفي يقينها أن العالم سيعرف قصتها.
كان حضور “فتحية” عزاء صديقتها ذات ليلة، فارقا في حياتها، حيث شاهدت ابنتها وهي تجتهد في الدعاء لها، وهنا تبادر إلى ذهنها سؤال “من سيدعو لي بعد وفاتي؟”.
بعد بحث طويل مع الأطباء قررت فتحية محمود أن تبحث عن حل آخر لإرضاء غريزة أمومتها، كان ذلك بحلول العام 2005 حين اتفقت مع زوجها عبدالعال محمد على تبني طفلة من إحدى دور الأيتام في مصر، ويهبانها كل مشاعرهما واهتمامها.
مضا سويا في رحلة البحث عن طفلة، حيث قدمت طلبا رسمياً للتبني، لتتلقى اتصالا بضرورة حضورها لاستلام 21 بنتًا دفعة واحدة، ثم في اليوم التالي تلقت ذات الاتصال لتتسلم 6 بنات، ولاحقاً بعد أسبوع عاد نفس الاتصال لتتسلم 7 بنات، لتصبح أمًا ل 34 طفلة في غضون 8 أيام بعدما حُرمت من ذلك الإحساس لثلاثة عقود متتالية.
ومن هذا الوقت تولت فتحية وزوجها الإشراف على رعايتهن وتعليمهن وتربيتهن، معتمدين في ذلك على مدخراتهما التي جمعاها من رحلة عمل طويلة في “بلاد الغربة”.
باتت فتحية تُلقب بين أسرتها ب”أم اليتيمات”، وبين الفتيات ب”ماما فتحية” وهو حلمها الذي تحقق الآن، فلم تعد تسمع تلك الكلمة من ابن واحد، بل من 34 بنت دفعة واحدة.
ورغم أن مسؤولية تربية 34 فتاة كلهن وصلن إلى مرحلة سنية تحتاج إلى رعاية خاصة، أمر ليس بالهين ويحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، خاصة أن الفتيات أصبحت في مرحلة الثانوية العامة “تانية وثالثة ثانوي”، إلا أن فتحية تجد في تلك المسؤولية الثقيلة متعة خاصة، حيث تحرص على القيام بكافة واجباتها تجاه بناتها بكل شغف ودقة.
يبدأ يوم “ماما فتحية” بعد صلاة الفجر، بعد أن قررت أن تكون هي فقط وزوجها المسؤولان عن تربية بناتهما وذلك بعد أيام وليالٍ من التدقيق قضياها في اختيار من يتولى شؤون البنات، وكذلك مديرات للمنزل، والأمهات البديلات، حيث انتهت رحلة البحث إلى قناعة شخصية من جانبهما بأنه لن يعتني أحد ببناتهما بالشكل الكافي غيرهما، فتوليا في مقر “لمسة أمل” كافة تفاصيل تربية الفتيات.
لم تكتفِ “ماما فتحية” بتأسيس جمعية لمسة أمل لرعاية الأيتام، بل عملت هي وزوجها على تكريس جهودهما لتحسين الرعاية الصحية للأيتام وأصحاب الهمم، عبر إنشاء مستشفى مجاني في منطقة حدائق الأهرام يوفر الرعاية الصحية لهذه الفئات.
تقطف فتحية وزوجها ثمار هذه الرحلة الشاقة، هما الآن يقفان أمام آلاف الحضور للحفل الختامي لصناع الأمل، وإلى جوارهما فتاتين من بناتهما “سحر وياسمين” يحملان عنهما درع صناع الأمل، ويساعدان “والدهما” عبدالعال الذي يسير على كرسي متحرك لكبر سنه.
تقول السيدة فتحية لمصراوي: “الحمد لله ربنا كرمني على رحلتي في الحياة، مكنتش متوقعة إننا أقف في يوم هنا”.
وتضيف: “السعادة بتضيع كل ألم، إحساس الأمومة عند المحروم بيكون أكبر بس ربنا كرمني ورضاني في ولادي ال 34”.
وأشارت إلى أن لزوجها دور كبير في حياتها، وفي تربية الأطفال حتى أصبحوا يبلغون من العمر الآن بين 16 و17 عاما، متابعة “زوجي عبدالعال طول العمر أكبر داعم لي، لم يقصر معي يوما، أو يقصر مع بناتنا”.
وقالت إن الجائزة ستُخصص بالكامل لاستمرار رحلتها في تربية وتعليم الفتيات، موجهة حديثها لفتاتين كانتا بصحبتها: “مش عاوزة غير دكاترة ومهندسين وربنا يكرمني وأشوفهم عرايس”.
وفي أثناء الإعلان عن الفائزين بالجائزة، وقفت سحر تبكي وتصفق بحرارة، وفي ذلك “رسالة شكر” على سنوات قضتها السيدة الستينية في رعايتها هي وباقي أشقائها في البيت، لتعبر عن ذلك أمام الجميع: “بحب ماما قد الدنيا وهي حياتي كلها، وفي الوقت اللي كانت بتستلم الجائزة مشفتش حاجة لأننا كنت بعيط جداً،. وبشكرها جدا على كل اللي عملته معانا”.
لكن ما أن سمعت فتحية حديث سحر ردت قائلة: “مفيش شكر.. أنا عملت اللي مفروض تعمله أي أم”.