08:16 م
السبت 02 نوفمبر 2024
كتب- محمد شاكر:
تحت عنوان “نحن والصندوق.. أسئلة إجبارية”، كتبت الإعلامية لميس الحديدي، مقالًا على حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، قالت خلاله: كان يمكن للزيارة المرتقبة غدًا لكريستالينا جورجيفا مدير صندوق النقد الدولي للقاهرة، أن تكون زيارة عادية بروتوكولية.. فهي زيارة معدٌ لها منذ أكثر من شهر”.
وأضافت: “إلا أن التصريحات الرسمية المصرية الأخيرة بشأن إعادة التفاوض مع الصندوق وما جاء على لسان جورجييفا بأن الإصلاحات المصرية يجب أن تكون “عاجلة وليست آجلة”، تجعلها زيارة مهمة تفتح أبواب التساؤلات حول العلاقة مع صندوق النقد: ماذا نريد منه وماذا يريد منا؟
الدواء المر
وأوضحت الحديدي: أن العلاقة مع الصندوق قديمة تعود إلى تسعينيات القرن حين كان أول برنامج للإصلاح الاقتصادي وحاورت وقتها الدكتور إبراهيم شحاتة نائب رئيس البنك الدولي وأطلق لأول مرة عبارته الشهيرة، واصفا الإصلاح الاقتصادي بـ”بالدواء المر”، وتمر السنون ونعود للطبيب مرة أخرى في ٢٠١٦، بعد ثورتين أنهكتا جسد البلد واقتصاده، ونبدأ رحلة العلاج “المر” ببرنامج في ٢٠١٦، ثم برنامجين آخرين في ٢٠٢٠، وصولًا إلى البرنامج الحالي للتسهيل الائتماني والذي وُقع في ٢٠٢٢، ثم تمت زيادة تمويله إلى ٨ مليارات دولار في ٢٠٢٤ ليصل إجمالي القروض المصرية من الصندوق إلى ٢٨ مليار دولار وتصبح مصر ثاني أكبر مقترض من الصندوق بعد الأرجنتين.
الأموال “الرخيصة”
واستكملت لميس قائلة: “مرت رحلتنا مع الصندوق –طبيب النظام المالي العالمي- في بداياتها دون صدامات حادة، فكانت مصر نموذجًا نجاحًا لبرامج الصندوق، بينما كنا نحن سعداء بشهادات “الصحة” التي يمنحها “الطبيب”، والتي تحسن تصنيفنا الائتماني وتفتح الأبواب على مصرعيها للتمويلات من الأسواق العالمية، وربما كانت تلك بداية المشكلة فقد أدمنّا الأموال “الرخيصة” دون إنفاقها على اقتصاد حقيقي، وقررت الدولة -ربما مضطرة حينها – أن تقوم بكل الأدوار الاقتصادية، بينما اختار الصندوق -في البدايات – أن يكون “رفيقًا وسياسيٍا” في تقاريره.
صفقة رأس الحكمة
وتابعت: “تفاقمت المشكلات وتراكمت الديون فتعطلت المراجعات ثم جاءت صفقة “رأس الحكمة” المنقذة” وتلاها تعديلٌ في الاتفاق مع الصندوق مع التحرك لتنفيذٍ حاسم للإجراءات بكل ما فيها من تخفيضٍ جديد للعملة وخفض مستمر للدعم على الطاقة، وهو ما راكم الضغوط على كل الطبقات المصرية واستوجب وقفة نراجع فيها –عن حق– قدرتنا على الاستمرار فيما تعهدنا به.
وأضافت: “وللحق فإن صندوق النقد لا يطرق أبواب الدول، لكن الحكومات “المتأزمة” هي التي تلجأ إليه، كما أننا في كل برنامج كنا نفاخر بأن ما وقعنا عليه هو “برنامجٌ وطني”، وعند التفاوض على زيادة قيمة القرض في ٢٠٢٤ كانت بوادر الأزمة الإقليميّة وتأثيراتها علينا قد باتت واضحة، فكان يمكننا إعادة التفاوض حول المدد الزمنية بالذات في رفع الدعم وتخفيض سعر العملة وأسعار الفائدة وهي الأمور الأكثر تأثيرًا على المواطن والاقتصاد.. لكننا لم نفعل وكان الهدف -حينها- الإسراع باتفاق “التقاط أنفاس” يساعد في تصنيفاتنا الائتمانية ويعيد الثقة في إنقاذ “السفينة”.. فماذا عن “الركاب”؟
ماذا نريد لاقتصادنا؟
وتساءلت لميس: ماذا نريد إذن من الصندوق هذه المرة؟.. هل سُنطالب بخفض إجراءات الضغط على الناس أم على الحكومة؟ وهناك فرق.. بمعنى هل سنُطالب بإطالة أمد إجراءات خفض الدعم –وهو ما أعلن بالفعل – وعدم رفع أسعار الفائدة وإرجاء زيادة ضريبة القيمة المضافة؟، أم أننا سنطالب بتقليل الضغط في اتجاه تسريع تخارج الدولة من الاقتصاد (القليل منه تحقق)، وتخفيف الضغط في اتجاه التقشف الحكومي أو التحرير الكامل للعملة.. علينا أن نحدد اختياراتنا وأولوياتنا في التفاوض.
الأسئلة الحاسمة
لكن الأسئلة الحاسمة علينا أن نسألها نحن ونصارح أنفسنا بإجاباتها قبل أن نتوجه للصندوق: ماذا نريد نحن لاقتصادنا؟.. هل نبحث عن إصلاح حقيقي أم عن فترة التقاط أنفاس جديدة؟.. هل نحن جادون في تحديد دور الدولة في الاقتصاد وعدم منافستها للقطاع الخاص؟.. هل نحن جادون في إصلاح مناخ الاستثمار وتوجيهه إلى القطاعات الإنتاجية وليس فقط الانشائية؟.. أم إننا قررنا أن يكون محرك اقتصادنا في المرحلة المقبلة هو بيع مجموعة من الأراضي للتنمية الاستثمارية فقط؟ فهو طريقٌ أسهل كثيرا وأسرع من الإصلاح، وهل ندرك أن التصدير يجب أن يشغل اهتمامنا قبل أن نكيل الاتهامات للاستيراد؟ وإذا خفض الصندوق إجراءاته هل سنستغل ذلك في التصحيح؟ أم أننا سنعود لتوسيع الإنفاق الحكومي من جديد؟ إجابات هذه الأسئلة لم تعد اختيارية بل إجبارية ولا وقت فيها للخطأ.
إن لم ننجح لن تنفعنا صناديق العالم
وتابعت: العلاقة مع صندوق النقد اختيار وليست إجبارًا، وهناك دول اختارت ألا تتعامل مع الصندوق وتتعافى من المرض بأطبائها، وهناك دول أخرى التزمت بالنظام المالي العالمي واتخذت طريق الصندوق، ولكلٍ نجاحات وإخفاقات.. المطلوب هنا أن يكون فريق التفاوض جاهزًا بمطالبه، وواضحًا في أهدافه ملتزما بما يتعهد به مدركًا ما يمكن تطبيقه ومالا يمكن ومحددا أولوياته.. ولا ينظر فقط إلى “السفينة بما يختلط فيها أرقام العجز والدين والموازنة ولكن ينظر للناس الذين يعيشون على السفينة والذين يتجرعون “الدواء المر”.. وهنا نفتقد الوزراء ذوي الحس السياسي الذين يضعون السياسة بموازاة الأرقام.
وقالت: “لا أظن أن الحكومة المصرية متجهة إلى صدامٍ مع الصندوق، فقد استبقت مجيء جورجيفا بعدد من القرارات منها إحياء لجنة الدين –كانت موجودة في عهد وزيرة التخطيط هالة السعيد”، وأعرف أن كريستالينا جورجييفا ستستخدم أكثر اللغات دبلوماسية –وإن كانت مباشرة – في الحوار مع الإدارة المصرية، وهي القادمة من دولة متوسطة -بلغاريا – تدرك ما معنى الألم، نستطيع أن نعيد العلاقة مع الصندوق إلى مسارها الصحيح، لكن علينا أن نعرف أن هذا هو اختبارنا -نحن- الأخير وعلينا اجتيازه”.
واختتمت: “يذهب الصندوق أو يبقى لكننا سنستمر نواجه الواقع الصعب فإن لم ننجح حينها لن تنفعنا صناديق العالم”.