10:09 ص
الخميس 28 مارس 2024
غزة – (د ب أ)
ربما يتبادر إلى الأذهان سؤال منطقي بشأن أهمية القرار الذي أصدره مجلس الأمن الدولي يوم الإثنين الماضي والداعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال الأيام المتبقية من شهر رمضان، في ظل عدم التزام إسرائيل به وإصرارها على المضي قدما في حربها حتى تحقيق “النصر الحاسم”، حسبما يقول مسؤولوها.
فمشاهد القتل والتدمير اليومية لم يطرأ عليها أي جديد بعد صدور القرار رقم 2728. وأحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) استشهاد 10 أطفال بعد ساعات فقط من تمرير القرار، مشيرة إلى ارتفاع عدد قتلى هذه الحرب من الأطفال إلى 13750 منذ 7 أكتوبر الماضي.
ويضاف القرار الأحدث، الذي تم تبنيه بموافقة 14 عضوا من أعضاء مجلس الأمن وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، إلى عشرات القرارات الصادرة عن المجلس والأمم المتحدة بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي لم تكترث بها تل أبيب.
وفي كل مرة تتحرك إسرائيل ولا تألوا جهدا لتنسيق مساعيها مع داعمتها الأولى ، الولايات المتحدة، لاستخدام حق النقض (فيتو) من أجل إجهاض أي محاولة أو تحرك في مجلس الأمن لإدانتها أو إلزامها بأي شيء، وكأنها تهتم بما يصدر عن المنظمات الدولية التي يفترض أنها تنظم العلاقات بين دول العالم.
ويرى مراقبون أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا تقيم وزنا للأمم المتحدة وهيئاتها وتضرب عرض الحائط بما يصدر عنها من قرارات، وأن ما يروج له على أنه خلافات بين تل أبيب وواشنطن بسبب عدم استخدام الأخيرة حق الفيتو ، كما حدث في القرار الأخير، ما هو إلا توزيع للأدوار لم تخفه التصريحات الأمريكية التي خرجت لتؤكد فور صدور القرار على ثبات موقف واشنطن الداعم لإسرائيل وأن السماح بتمريره لا يعني تحولا في الموقف الأمريكي.
وبعد أن أسهب بعض المحللين في تفسير ملابسات تمرير القرار على أنه يجسد حجم الخلاف الأمريكي الإسرائيلي، مستشهدين بإلغاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة وفد إسرائيلي لواشنطن كان من المقرر أن يبحث بدائل اجتياح مدينة رفح جنوب قطاع غزة مع مسؤولين أمريكيين، خرج نتنياهو نفسه بتصريح الأربعاء ليوضح أن هذا القرار كان بمثابة رسالة موجهة لحماس بأن الضغط لن يجدي نفعا، ثم عاد ليتراجع وقرر إرسال الوفد إلى واشنطن.
وبينما يستهلك الوقت ويطول أمد الحرب، قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن لديها “أفكار عن بدائل” للعملية العسكرية في رفح “نثق أنها ستؤدي للقضاء على كتائب حماس هناك”، لتثبت الأيام أنه لا جديد على أرض الواقع، فالفلسطينيون يواجهون الموت إما برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، أو بفعل المجاعة التي باتت تنهش أجسادهم.
وأمام هذا الواقع الصادم ووسط تحذيرات دولية عدة من أن الفلسطينيين يواجهون وضعا كارثيا، باتت مصداقية الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي ككل على المحك ، وتتعالى الأصوات المنادية بإصلاحها كي تعبر بشكل حقيقي عن تطلعات الشعوب في عالم يسوده العدل والمساواة، وتطرح العديد من علامات الاستفهام عمن يتحكم في مصائر ومقدرات هذا العالم.
وربما تكتمل الصورة وتتضح دلالات تلك الأسئلة إذا ما وضعت في سياق تراجع التأييد الشعبي للحرب ، لا سيما في الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، في ظل استمرار آلة الحرب الإسرائيلية في حصد أرواح المدنيين الفلسطينيين مع بلوغ حصيلة الحرب المستمرة منذ نحو ستة أشهر في غزة حوالي 33 ألف قتيل فضلا عن نحو 75 ألف جريح غالبيتهم من المدنيين.
وفي هذا السياق، أظهر استطلاع حديث للرأي نشر معهد جالوب نتائجه الأربعاء أن نسبة تأييد الأمريكيين للحرب تراجعت في مارس الجاري إلى 36% مقابل 50% في نوفمبر الماضي.
وكشف الاستطلاع عن أن 74% من البالغين الأمريكيين يتابعون أخبار الصراع بين إسرائيل وحركة حماس عن كثب، مقابل 72% في نوفمبر، وأن ثلث الأمريكيين (34%) يتابعون الموقف “عن كثب للغاية”.
ووسط تأويلات وتفسيرات مختلفة بشأن ما إذا كان قرار مجلس الأمن الأحدث ملزما أو غير ملزم، يظل التساؤل بشأن آلية تنفيذه. وقال يوسي ميكيلبرج، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس البحثي في لندن، إنه “حتى لو قرر الخبراء القانونيون أن القرار ملزم، يظل السؤال حول كيفية تنفيذه ومن يمكنه تنفيذه”.
ونقلت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية عن ميكيلبرج قوله: “الإجابة هي لا أحد”، خاصة وأن الدولة الوحيدة القادرة على تنفيذ القرار، وهي الولايات المتحدة، سارعت إلى الإعلان عن أنه غير ملزم.
ويرى محللون أنه على الرغم من الانتقادات الشديدة التي تواجهها إسرائيل على المستوى الدولي، لن يصل الأمر إلى حد حشد تأييد دولي على غرار ما فعلته واشنطن مرارا من قبل في حالات كالتعامل مع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، أو عندما تعلق الأمر بتنفيذ رؤية معينة كغزو العراق. ويدلل هذا المعسكر على وجهة نظره بعدم التحرك الفعلي لحمل إسرائيل على وقف حربها المدمرة على الرغم من دعوات ساسة أمريكيين ومسؤولين أوروبيين لإعادة النظر في مبيعات الأسلحة لها.
ويقول مراقبون أن التعامل الدولي مع الحرب الإسرائيلية على غزة أضاف دليلاً جديدًا على اختلال المعايير التي تحكم الهيئات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، ويؤكد حتمية إتمام المخاض العسير الذي يمر به ميلاد نظام عالمي جديد، أساسه العدل والمساواة ولا تتحكم المادة في أركانه.