04:58 م
الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
بي بي سي
لبنان بلاد عرفت الحروب أكثر من أي بلد آخر، ولا تريد المزيد منها.
فهي لا تزال تحمل ندوب الحرب الأهلية، من 1975 إلى 1990، والحرب بين إسرائيل وحزب الله في 2006.
ولكن بعض اللبنانيين، من بينهم محافظ بيروت، مروان عبود، يشعرون أن التصعيد الأخير مع إسرائيل أسوأ من الحروب السابقة.
فقد تكبدت البلاد، في الأيام العشرة الأخيرة، عدداً هائلاً من الخسائر البشرية في انفجار أجهزة المناداة الإلكترونية (البيجر)، وأجهزة الاتصال اللاسلكي، وفي موجة من الاغتيالات استهدفت قادة عسكريين في حزب الله، وفي غارات جوية مدمرة بالقنابل الخارقة للتحصينات، التي قتلت الجمعة، زعيم حزب الله، حسن نصر الله.
ويرى مروان عبود، الذي لا علاقة له بحزب الله، أن هذه “أسوأ لحظة مرة بها البلاد”.
ويضيف: “أنا حزين صدمني العدد الهائل للضحايا المدنيين وصدمني أيضاً صمت المجتمع الدولي. كما لو أن ما يحدث هنا لا يعني أي شيء”.
تحدثنا في أطراف ساحة الشهداء وسط بيروت، إلى عائلات عديدة قضت الليلة في العراء، هرباً من الغارات الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله.
وبقوا في الساحة اليوم أيضاً فهم لا يعرفون ما إذا كانوا سيعودون إلى بيوتهم بسلام، مثلما هو شأن الكثير من اللبنانيين.
وسألت مروان عبود عن رأيه فيما تخطط له إسرائيل، فكان رده: “لا أعرف، ولكن إسرائيل تريد أن تقتل وتقتل وتقتل. والله يحفظ هذا البلد”.
ودّعني بكلمات يائسة. قال لي بصوت مثقل بالهموم: “إنه أسوأ يوم في حياتي”.
على بعد خطوات، التقيت إحدى العائلات الكبيرة جالسة على الأسمنت، تحت أشعة الشمس الحارقة. كانت مدينة مصطفى علي تهدهد رضيعها أمير، البالغ من العمر 7 أشهر، على ركبتيها، وتستذكر صدمة الجمعة ليلاً.
“سمعنا انفجاراً، وشعرنا بالخوف، خاصة على الأطفال. فهربنا، وجئنا إلى هنا. ونمنا هنا”.
وقالت لي إن العائلة ستبقى في الساحة، لأنه ليس لها مكان آخر تذهب إليه.
آخرون هربوا إلى شمال لبنان، فلا مجال للذهاب إلى الجنوب، لأنه تعرض لدمار كبير.
ونحن نتجول في المدينة، رأينا عائلات راحلة عن بيوتها، بعضهم في سيارات وضعوا عليها فرشاً خفيفاً، وآخرين على دراجات نارية.
وهناك من حملوا أغراضهم مشياً على الأقدام.
هذا هو منظر بيروت الجديد. متاجر أبوابها مغلقة، والقليل من الناس في الشارع، والمزيد من الخوف، خاصة بعد تأكيد استشهاد نصر الله.
وخلال اليوم، كانت أعمدة الدخان ترتفع في سماء الضاحية. وأكبر شارعين أصبحا مهجورين. والكثير من الشقق تبدو فارغة الآن.
وشاهدنا أعضاء من حزب الله يحرسون موقعاً تعرض للقصف الجوي، أحدهم يحمل سلاح كلاشنيكوف؛ وهذه إما علامة عن التوتر أو اليأس، فهم عادة لا يُظهرون السلاح في الشارع.
ولم يكن حزب الله يراقب كل تحركتنا اليوم، لأن تركيزه كان مُنصباً أكثر على الخطر على حدوده.
وبينما كنا نراقب سماء لبنان، كانت تجول فيها الطائرات المسيّرة.
وفي الموقع الذي تعرض لغارة إسرائيلية، كان الدخان يتصاعد من الأنقاض. ويبدو المكان أنه مصنع. قيل لنا إنه مصنع للمانديل الورقية. ورأينا الورق الممزق على الأرض.
تحول لبنان إلى منطقة حرب. ولكن هناك مخاطر من أنها ستتوسع إلى الشرق الأوسط كله. أسئلة كثيرة تطرح نفسها.
هل سيرد حزب الله على إسرائيل بقوة. وهل يستطيع ذلك؟ وهل سيتدخل الإيرانيون؟ فلا يبدو أنهم على عجلة من أمرهم للرد. هل سيتحرك أعوان إيران الآخرين في العراق وسوريا واليمن؟
ويبدأ لبنان الإثنين الحداد لمدة ثلاثة أيام. ولا أحد يعرف ما الذي سيحدث بعدها.