04:32 م
الإثنين 17 يوليو 2023
كتب- مصراوي:
الاستجواب أداة من أهم الأدوات الرقابية لمجلس النواب؛ وهو أشبه بتحقيقات النيابة العامة، ففي حال ثبوت الاتهامات الموجهة إلى الوزير يتم سحب الثقة منه وتحال الوقائع إلى النيابة. وعلى الرغم من ذلك؛ فتاريخها بين السقوط والغياب.
بعض الدول لضمان جدية الاستجواب تضع شرطًا دستوريًّا؛ أنه في حال عدم ثبوت الوقائع هذا الأمر قد يعرض النائب نفسه إلى فقدان عضويته.
في كل الأحوال مع بداية الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، وعلى مدار ٣ دورات انعقاد؛ لم يشهد مجلس النواب سوى استجواب واحد تقدم به النائب نادر مصطفى، ضد وزير الدولة لشؤون الإعلام السابق أسامة هيكل، حول بعض المخالفات، وانتهى بعد ذلك بإعلان نادر سعد الدين المتحدث باسم مجلس الوزراء، أن أسامة هيكل تقدم باستقالته لظروف صحية .
واكتفى تقرير إنجازات البرلمان في دور الانعقاد الثالث في تقرير الإنجازات بقليل من البيانات العاجلة والكثير من طلبات الإحاطة؛ والتي تنتهي برد الوزير حول المشروعات العامة التي تستهدفها الوزارة وإنجازاتها التي حققتها وما تسعى لتحقيقه.
لم يكن الفصل التشريعي الأول برئاسة الدكتور علي عبد العال، يختلف كثيرًا عن الفصل التشريعي الثاني في الاستجوابات.. زاد العدد قليلًا وتشابهت النتيجة؛ فتقدم النائب محمد الحسيني، ضد وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، آنذاك، وكان الاستجواب يتعلق بالإهمال بمستشفى بولاق الدكرور، والبعض علق بأنه يدخل ضمن طلبات الإحاطة وليس الاستجواب، وانتهى الأمر إلى لا شيء؛ وسبقه استجواب تقدم به النائب مصطفى بكري ضد وزير التموين، حينها، خالد حنفي، بشأن وقائع فساد في منظومة القمح وعشوائية القرارات وسوء الإدارة وإهدار المال العام بوزارة التموين، وطالب بسحب الثقة من وزير التموين؛ لمسؤوليته عن إهدار المال العام وإصدار القرارات التي تمكن الفاسدين من الاستيلاء على المال العام، إلا أن هذا الاستجواب لم يناقش لأن خالد حنفي ترك الوزارة.
الاستجواب الثالث كان موجهًا ضد وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، من النائبة شيرين فراج، التي أرجعت أسباب الاستجواب إلى المخالفة الدستورية لصحيح المواد 18 و46 و168 من الدستور، ومخالفة القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة والامتناع عن تنفيذ المادة 22 من القانون 4 لسنة 1994 وتعديلاته وتعطيل تطبيق القانون، أو تعمد تعريض حياة المواطنين للخطر وإصابتهم بالأمراض؛ مما أدى إلى حدوث وفيات، وتعريض حياة المواطنين للخطر جراء اختلاط نفايات المستشفيات بالقمامة وتشويه صورة مصر الحضارية والإضرار العمدي بالاقتصاد القومي، والفشل في تنفيذ برنامج الحكومة لقطاع البيئة.. انتهى الاستجواب باستمرار الوزيرة ولم تستمر النائبة عضوة بالمجلس في الفصل التشريعي الثاني.
لم يحمل لنا تاريخ العمل في المجاس، واقعة استجواب انتهت بسحب الثقة من الوزير؛ ولكن حمل لنا التاريخ بعض الاستجوابات المهمة التي شغلت بال واهتمام الرأي العام؛ والتي اهتزت لها الحكومات دون إسقاط للحكومة أو الوزير، بل في حالتين تم تقديم الاستقالة فقط لا غير؛ مع وزير الدولة لشؤون الإعلام ووزير التموين خالد حنفي.
ويشهد أيضا أرشيف المجلس، على ذلك والأمثلة عديدة؛ ولكن النتائج واحدة لم تخرج عن سقوط الاستجواب أو غيابه نهائيًّا، ومن أشهر الاستجوابات التاريخية في عام 1943 تقدم النائب الوفدي مكرم عبيد، باستجواب لرئيس الوزراء الوفدي مصطفى النحاس، بشأن ما تناوله في كتابه “الكتاب الأسود” من فضائح داخل حزب الوفد طالت كل قياداته؛ وعلى رأسها مصطفى النحاس باشا وطاقم حكومته.
وتسبب هذا الاستجواب في فصل النائب من المجلس ومن الحزب، وأصدر النحاس باشا قرارًا باعتقاله بموجب قانون الطوارئ.
ومن أشهر الاستجوابات أيضًا ما تعلق بالفساد داخل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية؛ حيث اتهم النائب عادل عيد، الشيخَ محمد متولي الشعراوي، وزير الأوقاف، حينئذ، وذلك في عصر الرئيس الراحل أنور السادات، بالتهاون في استخدام حقوقه وأدواته لمواجهة حالة الفساد المستشري داخل وزارته، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
وتسبب هذه الاستجواب في إحداث حالة كبيرة من الصخب داخل المجلس والتراشق بالألفاظ والعبارات الحادة بين الشيخ الشعراوي والشيخ عاشور نائب الوفد، الذي لم يعجبه رد الأول عن الاستجواب؛ حيث صاح فيه: “اتق الله يا رجل، اتق الله، مفيش حد فوق المساءلة، يجب أن تراعي الله في كلامك”، ليرد عليه الشيخ الشعراوي بغضب، قائلًا: “اجلس، اجلس، أنا أعرف الله أكثر منك وخيرًا عنك”.
ومع تطور الأمر اضطر المهندس سيد مرعي، رئيس المجلس، وقتها، إلى إحالة واقعة النائب عاشور إلى اللجنة التشريعية؛ لاتخاذ ما يلزم حيالها، وصوَّت المجلس على خروج عاشور من القاعة، فظل يردد أثناء خروجه ده مش مجلس الشعب، ده مسرح مجلس الشعب، ومع استنكار الأغلبية له، صاح قائلًا: يسقط يسقط أنور السادات، ليتم بعدها رفع الجلسات، وتعود إلى الانعقاد بعد ساعات لمناقشة تقرير اللجنة التشريعية حول الواقعة، وتم إسقاط عضوية الشيخ عاشور.
الاستجواب الثاني في عصر السادات تمثل في المواجهة التي تمت بين الرئيس أنور السادات و13 نائبًا من المجلس، عندما رفض النواب الـ13؛ وعلى رأسهم كمال أحمد وأبو العز الحريري اتفاقية كامب ديفيد؛ ما دفع الرئيس السادات إلى حل المجلس عام 1979.
وفى عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، غيَّب الموت، إهمالًا وفسادًا، 476 مواطنًا مصريًّا، إثر غرق العبّارة “سالم إكسبريس” في منتصف ديسمبر 1991؛ ما جلب على المهندس سليمان متولي، وزير النقل في ذلك الحين، استجوابات نيابية من أعضاء، مقدمة من محمد البدرشيني، وإبراهيم شكري، وفاروق السيد متولي، حول “ملابسات الحادث، ودور التفتيش البحري وموقف المفقودين” وغيرها من تساؤلات طُرِحت على الوزير في جلسة 22 أبريل 1992.
واستهلك هذا الاستجواب في مناقشته وقتًا طويلًا جدًّا، وتكرر المشهد في حادثة العبارة السلام ٩٨ في عام ٢٠٠٦ التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص، ووقتها البرلمان شكل لجنة تقصي الحقائق كشفت مدى الإهمال والفساد الحكومي والتواطؤ.
الاستجوابات على مدار تاريخ مصر النيابي تعد على أصابع اليد والنتيجة واحدة؛ بين الغياب أحيانًا، وإن وجدت يكون مصيرها الإسقاط، ومرات قليلة للغاية يتقدم الوزير باستقالته، ولم يكتمل الاستجواب أو يناقش.