08:53 م
الإثنين 19 يونيو 2023
القاهرة- أ ش أ:
نشرت مجلة الإيكونوميست (The Economist) البريطانية على موقعها الإلكتروني في 16 يونيو 2023 تقريراً سلبياً عن بعض الأوضاع في مصر تضمن الكثير من المغالطات والأكاذيب وبأسلوب يفتقد لأبسط القواعد المهنية المتعارف عليها عالمياً والمعمول بها في المجال الإعلامي.
ورداً على هذا التقرير وما ورد به من تجاوزات، قررت الهيئة العامة للاستعلامات استدعاء مراسل مجلة “الإيكونوميست” لتسليمه خطاب احتجاج على ماورد في التقرير، مطالبة المجلة بالتحلي بالموضوعية والحياد، واحترام قواعد مهنة الصحافة عند تناولها لشئون مصر، والعودة للجهات المعنية لأخذ كل الآراء ووجهات النظر في الاعتبار كما تقضي بذلك ضوابط وأخلاقيات العمل الصحفي والإعلامي.
كما أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات بياناً تفند فيه ماورد في تقرير المجلة البريطانية من مغالطات وادعاءات، وجاء في بيان “هيئة الاستعلامات”: لقد انتهك تقرير “الإكونوميست” كل قواعد وأخلاقيات العمل الصحفي وتضمن ترديد أقاويل مرسلة لا سند لها، وإلقاء الاتهامات جزافاً، والاعتماد على مصادر جميعها مجهولة، ونشر أرقاماً وبيانات خاطئة دون الاستناد إلى أي مصدر، وغير ذلك من ادعاءات ومعلومات مغلوطة تنم عن عدم دراية بما يحدث في مصر على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقال بيان “هيئة الاستعلامات”: إن من أهم قواعد العمل الصحفي هو ضرورة ذكر المصادر التي اعتمد عليها الكاتب أو مُعد الموضوع الصحفي، خاصة عند ذكر وقائع أو بيانات أو آراء، وكذلك الحرص على استطلاع رأي وموقف كافة أطراف الموضوع لنقل كل وجهات النظر بحياد.
وفي مخالفة صارخة لهذه المبادئ، فإن تقرير “الإيكونوميست” جاء منحازاً وغير محايد ومتعمداً الإساءة والتشويه، ولم يلجأ لأية جهة مصرية لمراجعة ما تضمنه من بيانات ووقائع قبل نشرها.
بالإضافة إلى ذلك فقد ذكر التقرير (13) مصدراً اعتمد عليها في نقل ما أورده من بيانات وآراء، كان منها مصدر واحد معلوم منسوب لباحث لبناني، ونقل عنه رأياً مرسلاً لا دلالة له ولا دليل عليه، ثم (12) مصدراً مجهلاً تماماً، حيث أشار إليها بالأوصاف الآتية: مدير بنك متقاعد – يقول أب لخمسة أطفال – يقول البعض – يرى آخرون – يقترح مشجعو كرة القدم – يدعى مهندسو الجيش – يقول أحد الصحفيين – يوضح أحد الموالين – يقول مراقب أجنبي متمرس.. إلى غير ذلك من أوصاف دون تحديد مصدر واحد معلوم كما تقضي قواعد العمل الصحفي.
وبالإضافة إلى ذلك، نصب معد التقرير نفسه معبراً عن إرادة الشعب المصري ومتحدثاً باسمه دون العودة إلى أي مصدر يعبر عن هذه الإرادة أو يؤيد إدعاءاته التي نسبها إلى تعبيرات عامة مبهمة مثل حديثه عن: يرى معظم المصريين – يخشى المصريون – أكثر من نصف المصريين أكثر سخطاً – يتم الهمس (أن مصر قد تؤجر قناة السويس) وهكذا..
بيانات وأرقام خاطئة:
وعن الأرقام التي وردت بالتقرير، قال بيان “هيئة الاستعلامات”: في مجلة اقتصادية مثل “الإيكونوميست”، فإن استخدام الأرقام والنسب أمر له أهمية بالغة، وضوابط لتحري الدقة، وهو ما خالفه التقرير الذي أسهب في استخدام الأرقام والبيانات الاقتصادية بدون ضوابط وبدون الإشارة إلى أي مصدر، من ذلك زعمه أن نسبة تضخم الغذاء في مصر 60%، دون ذكر أي مصدر لهذه النسبة رغم أن أرقام التضخم الشهري والسنوي في مصر معلنة سواء التضخم الأساسي أو العام.
والأمر نفسه عندما زعم دون الرجوع لأي مصدر بأن نصف المصريين فقراء – وقوله إن المساعدات الخليجية لمصر (100) مليار دولار، وأن تكلفة العاصمة الإدارية (58) مليار دولار، وتكلفة خطوط السكك الحديدية (23) مليار دولار، وغير ذلك من الأرقام والبيانات الاقتصادية، دون الإشارة إلى مصدر واحد مصري أو دولى يوافق أو يؤيد هذه الأرقام، ودون أن يشرح مكونات الأرقام ومجالات إنفاقها وأهميتها في مجال إعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد والمجتمع التي أشاد التقرير نفسه بإنجازها خلال السنوات العشر الماضية، بل ادعى تقليص مخصصات التعليم والصحة، على عكس الواقع تماماً حيث تضاعفت هذه الموازنة في السنوات العشر الماضية عدة أضعاف.
اختلاقات وأكاذيب:
وتابع “بيان هيئة الاستعلامات” لقد بلغ انحياز تقرير “الإيكونوميست” وتجاوزاته المهنية إلى حد اختلاق وقائع، ونشر أكاذيب واضحة زاعماً أنها حقائق لدرجة أن بعض هذه الأكاذيب جاء مثيراً للدهشة، ومنها أن الرئيس “أيَد إصلاح المبادئ القرآنية التي من شأنها أن تمنح المرأة نصف حصة الرجل من الميراث”، وهذا إدعاء ينم عن عدم دراية بالشرع ولا بالقانون ولا بقدسية النصوص القرآنية، ولا بما يحدث في مصر.
فلم يطالب أحد “بإصلاح المبادئ القرآنية”، فهي تحظى باحترام الجميع في مصر، ولم يطالب الرئيس ولا أية جهة في مصر بتغيير نصيب المرأة المنصوص عليه في القرآن، إن ما حدث هو عكس ذلك، وهو تجريم حرمان المرأة من الحصول على حقها ونصيبها في الميراث الذي نص عليه الشرع، وليس تغيير هذا النصيب.
ويبدو أن مُعد التقرير خلط بين الواقع في مصر وما تشهده مجتمعات أخرى من حوارات وآراء بشأن نصيب المرأة في الميراث، الأمر الذي يكشف مدى عدم فهم وعدم دراية مُعد التقرير بشئون مصر، رغم أن التقرير يزعم أنه تم إعداده في مصر حيث أشار في بدايته إلى أن مصدره مدينة الإسكندرية.
كما زعم التقرير “أن المستثمرين الأجانب قاموا بسحب 20 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي .. بسبب تضاؤل الثقة في بيئة الأعمال مما أدى إلى هروب رأس المال”.. وهذه وقائع غير دقيقة، وتفسيرات فاسدة بشكل مطلق، فخروج الأموال والاستثمارات الساخنة تم العام الحالي، وقد أعلن وزير المالية منذ أيام أن 23 مليار دولار أموالاً ساخنة خرجت بالفعل من مصر العام الحالي (وليس الماضي كما يزعم التقرير).
ولكن الخطأ الأكبر هو في التفسير المغلوط لخروج هذه الأموال والاستثمارات المباشرة من مصر، فالسبب ليس كما زعم التقرير: “تضاؤل الثقة في بيئة الأعمال وهروب رأس المال” ولكن السبب معلوم للعالم كله وفي كافة تقارير المؤسسات الدولية وهو تداعيات جائحة “كورونا” ثم الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب على ذلك من سياسات مالية ونقدية متشددة من جانب الأسواق المالية الكبرى، مما أدى إلى نزوح الأموال من الأسواق الناشئة والدول النامية – وليس مصر فقط – إلى الأسواق الكبرى خاصة مع استمرار رفع هذه الأسواق الكبرى لنسب الفائدة.
ولو كان معد التقرير حريصاً على الحياد والعمل الصحفي الاقتصادي الرصين، لأمكنه قراءة أحدث تقرير صدر قبل شهرين عن صندوق النقد الدولي بعنوان: “آفاق الاقتصاد العالمي 2023” والذي يؤكد على مجموعة من الحقائق في مقدمتها أن السياسات النقدية والمالية للأسواق الكبرى هي السبب الرئيسي لنزوح الأموال من كافة الأسواق الناشئة التي تواجه الآن صعوبة الحصول على تمويل بتكاليف مناسبة، كما أشار صندوق النقد الدولي إلى أن الدين العام تضاعف في كل دول العالم خاصة الدول النامية بسبب جائحة كورونا ثم تفاقم بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف بيان “هيئة الاستعلامات”: من بين المغالطات الأخرى التي تضمنها تقرير “الإيكونوميست” ترديد الزعم الكاذب بوجود (60) ألف سجين لأسباب سياسية ودون الرجوع لأي مصدر، حيث يقول التقرير: “يعتقد أن هناك 60 ألف سجين لأسباب سياسية”، وهو مجرد تكرار لزعم كاذب فشلت الجماعة التي اختلقته في إثبات اي دليل على وجود أي نسبة من هذا العدد، أو وجود ما يطلق عليه “سجين لأسباب سياسية” في مصر، فهو تعبير لا يوجد في القانون أو القضاء المصري.
في الوقت نفسه، تجاهل مُعد التقرير العديد من الإجراءات الإيجابية التي شهدها ملف السجون والسجناء في السنوات الأخيرة، منها التطوير الكبير في مقار السجون وفي الفلسفة العقابية في مصر وحقوق السجناء وظروف الاحتجاز، هذا التطوير شهدت به المؤسسات الدولية وقام عشرات من الحقوقيين والسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية والمراسلين لوسائل الإعلام الدولية المقيمين في مصر، بزيارات عديدة للسجون، واعترفوا بالتطور الايجابي الكبير في هذا الشأن.
كما لم يتضمن تقرير “الإيكونوميست” أية إشارة إلى قرارات العفو والإفراج للسجناء والمحبوسين التي وجه بها رئيس الجمهورية منذ أكثر من عام وتديرها لجنة تضم أعضاء من المجتمع المدني وأدى عملها إلى الإفراج عن مئات السجناء والمحبوسين، من خلال استخدام رئيس الجمهورية لحقه الدستوري في العفو عن باقي العقوبة لبعض السجناء، أو قرارات النيابة العامة بالإفراج عن بعض المحبوسين احتياطياً طالما أن ذلك لا يؤثر على سلامة التحقيق في القضايا المتهمين بها.
وقال بيان “هيئة الاستعلامات” إن تقرير “الايكونوميست” يشير إلى أن “تكلفة مضادات الاكتئاب قد تضاعفت منذ شهر أبريل” وهي عبارة أشبه بالعبارات المتهافتة على بعض صفحات التواصل الاجتماعي، فمن أين جاء بالأسعار التي تضاعفت خلال أقل من شهرين وأية أصناف من الأدوية تحديداً ولماذا مضادات الاكتئاب دون غيرها، إنه تلميح رخيص لا يليق بمجلة متخصصة.
وتابع بيان “هيئة الاستعلامات”: إن أكثر الادعاءت افتضاحاً هو الزعم بأن مصر قد تفكر في تأجير قناة السويس لمدة 99 عاماً مقابل تريليون دولار، وهو بذلك يكرر شائعة العقد المزور الذي تم افتضاح أمر تزويره أمام العالم كله قبل عدة شهور.
بنفس القدر من التجاوز والتهافت، يتحدث التقرير عن منصب الرئاسة المصرية، وينقل على لسان مصادر مجهولة – كالعادة – اسماء لهذا المنصب منهم: حازم أبو إسماعيل (الذي يقضي عقوبة السجن حالياً) – واللاعب النجم العالمي في كرة القدم محمد صلاح – وأحمد فؤاد نجل الملك السابق فاروق، الذي لا يتحدث اللغة العربية كما يقول التقرير.
إن الحديث عن رئاسة مصر على هذا النحو هو هزل سخيف مهين لإرادة شعب مصر.
فالانتخابات الرئاسية لم يتم فتح باب الترشح لها حتى الآن .. وعندما يحدث فإن كل من تنطبق عليه الشروط التي حددها القانون يمكنه الترشح، وعندئذ فقط يمكن للمجلة نشر أسماء المرشحين فعلياً، والتكهن بحظوظ أي منهم في نظرها، أما قبل ذلك، فهو قفز فوق الدستور والقانون وإرادة الشعب، والحديث بهذا الأسلوب عن مصر ومنصب الرئاسة فيها هو تجاوز مرفوض من مجلة من المفترض أنها إصدار إعلامي اقتصادي متخصص.
وأضاف بيان “هيئة الاستعلامات” إن من بين الافتراءات الأخرى في تقرير المجلة البريطانية هي وصف الحوار الوطني بأنه “خدعة قديمة”، وأن “المشاركين تم اختيارهم بعناية” وأنه “مجرد تمثيلية”، وأن الحديث المتاح أمام المشاركين هو “بضع دقائق”، وأنه تم استبعاد هيئات مثل “جماعة الإخوان”.
وجميعها افتراضات غير صحيحة، تناقض الواقع جُملةً و تفصيلاً، فالحوار الوطني تم بدعوة من رئيس الجمهورية، وأن مجلس أمناء الحوار يضم 20 عضواً يعبرون عن كافة الاتجاهات في البلاد، ولجانه تضم 44 من المقررين ومساعديهم، تمثل فيها كل التيارات الحزبية والنقابية والشعبية والمجتمعية والخبراء والمتخصصين والشباب والمرأة وكل فئات المجتمع، وهو حوار مستقل يدير نفسه بنفسه دون تدخل من أي من سلطات الدولة، وتشير الأرقام الخاصة بالحوار حتى الآن إلى حقيقة وجدية هذا الحوار الوطني وأهدافه ونتائجه حيث:
– يبلغ عدد الأحزاب المشاركة في الحوار (65) حزباً وتياراً سياسياً تمثل جميع التيارات والاتجاهات الساسية في البلاد، فلم يرفض أي حزب أوتيار سياسي المشاركة في هذا الحوار.
– تلقت أمانة الحوار مئات الالاف من المشاركات عبر الوسائل المختلفة كلها محل الاهتمام والدراسة.
– عقد مجلس أمناء الحوار ( 25 ) اجتماعاً خلال المرحلة التحضيرية ..انتهت بالتوافق على كافة الجوانب الاجرائية والتنظيمية للحوار، وبلورت (113) قضية تعبر عن أولويات الشعب المصري في كافة المحاور السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
– بدأ الحوار أولى جلساته العامة في 3 / 5 / 2023 بحضور نحو 1000 شخصية من بينهم سفراء وصحفيون ومراسلون ممثلون لوسائل الاعلام الأجنبية وغيرهم وممثلون عن جميع الأحزاب والتيارات والقوى السياسية والمجتمعية والنقابية.
– أن التسجيل للمشاركة في الحوار ظل مفتوحاً أمام جميع المصريين لشهور عديدة دون أي تحفظ من أي جهة، ودون رفض أو تردد من أي حزب أو تيار سياسي.
– أن جلسات الحوار بلغت حتى الآن (31) جلسة ناقشت(50 ) قضية وطنية، وحضرها 1600 مشارك من بينهم ممثلون لأكثر من (65 )حزباً سياسياً.
– إن الحوار حتى الآن يحظى بتوافق من كل أطرافه في مجلس الأمناء وفي اللجان وفي الجلسات العامة وسوف يتم رفع توصياته إلى رئيس الجمهورية الذي تعهد علناً بأن يتبناها من خلال صلاحياته الدستورية ومن خلال أدوار المؤسسات التنفيذية والتشريعية في الدولة.
إن كل هذه الحقائق تدحض زعم المجلة بأن الحوار خدعة قديمة وتمثيلية.
واختتمت “هيئة الاستعلامات” بيانها بالقول: إن تقرير الإيكونوميست هو سقطة مهنية لم نكن نتمنى أن تقع فيها مجلة مثلها، ونأمل ألا تكررها.