06:28 م
الخميس 03 أكتوبر 2024
كتب- محمد سامي:
تُعد معركة “جبل المر”، واحدة من أبرز المعارك التي شهدت على شجاعة وإيمان المقاتل المصري، حيث واجه أحدث الأسلحة التي استخدمها العدو الإسرائيلي.
ويعتبر جبل المر، الواقع في قطاع السويس، مصدرًا دائمًا للاشتباكات التي أرهقت المدينة حتى إندلاع حرب أكتوبر، حيث نجحت إحدى وحدات الفرقة التاسعة عشر مشاة، التي كانت تعمل في النسق الثاني للفرقة، في تنفيذ هجوم عميق على مواقع العدو والاستيلاء على جبل المر، مما أجبر العدو على الانسحاب تحت ضغط القوات المصرية في حالة من الفوضى والارتباك، تاركًا ورائه العتاد الذي يعرض حاليًا في المتحف الحربي كشاهد على بطولات القوات المصرية.
ويمثل موقع جبل المر أهمية استراتيجية كبيرة؛ حيث يقع على بعد حوالي 13 كم شرق قناة السويس وجنوب الطريق الرئيسي (الشط/متلا)، ويمثل هيئة حاكمة تسيطر على طرق الاقتراب في تلك المنطقة غربًا وشرقًا، بما في ذلك وادي مبعوق، وادي المر، والطريقين الطولي والعرضي، بارتفاع يبلغ 117 مترًا وطول حوالي 8 كيلومترات، يحيط بالجبل كثبان رملية تجعل من السيطرة عليه مهمة صعبة. تمكن العدو الإسرائيلي من استغلال هذا الموقع لجمع المعلومات عن تحركات القوات المصرية، وقد احتل الموقع بقوة كبيرة ضمت سريتين دبابات، سرية مشاة ميكانيكية، سريتين مضادات للدبابات، بطارية مدفعية عيار 25 رطل، وكتيبة مدفعية ذاتية الحركة عيار 155 مم.
وبمناسبة الاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر، تحدث مصراوي، مع اللواء أ.ح. محمد فكري، من سلاح المشاة وأحد أبطال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، الذي شارك في معركة “جبل المر”حيث استعرض اللواء فكري ذكرياته حول المعركة وكيف تمكنت القوات المصرية من التغلب على الإمكانيات الهائلة للعدو.
بدأ اللواء فكري حديثه بالإشارة إلى أنه تخرج في الكلية الحربية عام 1968، وعُين قائدًا لفصيلة في اللواء الثاني من الفرقة 19 مشاة، التي نفذت مهام عمليات كبيرة في منطقة “حوض الدرس” خلال حرب الاستنزاف. تلك المنطقة كانت ذات أهمية استراتيجية حيث تسيطر على مدخل مدينة السويس. خلال حرب الاستنزاف، شارك اللواء فكري في اشتباكات عديدة مع العدو، منها عبور ناجح لقناة السويس عام 1969 حيث قام باستطلاع إحدى نقاط العدو القوية على الضفة الشرقية، ما ساعد القوات المصرية لاحقًا خلال المعركة.
واستعرض اللواء مراحل حرب الاستنزاف، بدءًا من مرحلة الردع والصمود وصولًا إلى مرحلة الاستنزاف والدفاع النشط. بعد انتهاء حرب الاستنزاف، بدأت القوات المسلحة في إعداد خطة الخداع الاستراتيجي التي سهلت عبور 80 ألف مقاتل في الساعات الأولى من حرب أكتوبر.
واسترجع اللواء فكري، ذكريات يوم 6 أكتوبر، عندما تلقى خطابًا مغلقًا في العاشرة صباحًا يخبره بموعد الهجوم في الساعة الثانية و20 دقيقة بعد الظهر. كقائد سرية بالجيش الثالث الميداني، حيث أخبر جنوده الذين استقبلوا الخبر بحماس كبير ورفعوا صيحات التكبير، وعند بدء المعركة، واجهت القوات المصرية دبابات العدو التي كانت توجه ضرباتها من بعيد، لكن اللواء وفرقته جهزوا الصواريخ المضادة للدبابات ونجحوا في تدمير العديد منها على مسافات بعيدة، مما ساعد في تحقيق التماسك والتقدم نحو “جبل المر”.
وأوضح، أن المهمة الرئيسية في معركة “جبل المر” كانت اقتحام الجبل واحتلاله. تحركت الفرقة بقيادة اللواء محمد الفاتح كريم نحو الجبل الذي كان محاطًا بالكثبان الرملية، مما جعل صعود المركبات إليه صعبًا للغاية.
ومع ذلك، تمكنت مجموعة صغيرة من 26 مقاتلًا من تنفيذ المهمة في غضون أربع ساعات فقط. خلال الهجوم، تعاملت القوات المصرية مع هجمات الطيران الإسرائيلي، وتمكنوا من تدمير العديد من المركبات والدبابات المعادية.
وأكد اللواء فكري، أن قائد اللواء لعب دورًا بطوليًا عندما ترك مركز القيادة وترجل على قدميه للمشاركة في الهجوم، مما أعطى دفعة معنوية كبيرة للمقاتلين. كانت المساحات الواسعة للجبل قد كشفت عن مواقع دبابات ومراكز القيادة للعدو في القطاع الجنوبي، ما تسبب في ارتباك شديد للعدو ودفعه للفرار. ترك العدو دباباته ومدفعيته الثقيلة خلفه، واستطاع الجنود المصريون قيادة تلك المركبات وإعادتها عبر الكباري إلى الضفة الغربية من القناة.
وفي ختام حديثه، أشار اللواء فكري إلى أنه كانت هناك محاولات من العدو لاستعادة “جبل المر” عبر هجمات مضادة ليلية، إلا أنها باءت بالفشل. وكانت مهمته خلال المعركة هي السيطرة على نقطة قتال أمامية على بعد حوالي 2 كم من الجبل. تعرضت المنطقة لقصف مدفعي وجوي مكثف، لكن القوات المصرية تمسكت بمواقعها واستمرت في تعزيزها، حتى تمكنت السرية المشاة من السيطرة على القطاع المتوسط من الجبل وتحسين مواقعها.