جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
اندهشت كــثيراً عــندمــا قــرأت أن المملكة الأردنية الهاشمية تُــرشــح فــيلم”أرضــي الحــلوة”، الـذي تـم إنـتاجه بـتمویـل مشـترك بـين أیـرلـندا وفـرنـسا والأردن والولايات المتحدة لجوائز الأوسكار الـسـابـع والـ تسعین ضمن فئة أفـــضل فـــيلم دولـي طـویـل، والتي كـانـت تسـمى مـن قـبل “أفضل فيلم أجنبي”، لـكن مـنذ ألمح ألفونسو كوارون مخرج فیلم “روما” أثناء تسلمه جائزة الأوسكار، في كلمته بشكل ضمني إلى عبثية كلمة “أجنبي”.
كـان ذلـك عـام ٢٠١٩ خـلال حـفل تـوزيـع جـوائـز الأوسـكار، حـيث صـعد المخـرج المـكسيكي ألـفونـسو كـوارون -الـذي قـدمـه المـمثل خـافـيير بـارديـم باللغة الإسبـانية – فتقبل جـائـزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية عـن فيلمه “روما”.
وخــلال خــطابــه، قــال مازحا إنه: نشأ وهــو يشاهد الأفــلام الأجنبية ويتعلم منها الــكثير؛ أفلام مثل Citizen Kane وJaws وRashomon وThe Godfather وBreathless”.
تعليق كوارون يطرح بذكاء وسخرية تـساؤلاً عــن ســبب اعتبار اللغة الإنجليزية اللغة الافتراضية لصناعة عالمية؛ كما يسلط الضوء على كيف أن فئات “فـيلم هوليوود” والفيلم الأجنبي” ليس بالضرورة متعارضان.
فمنذ الـقدم، نجـد أن العديد من صناع الأفلام الـذيـن يدفعون حـدود ذلـك الـفن كـانـوا مـن خـارج الولايات المتحــدة؛ وهــذا لــيس بســبب نقـص المواهب داخــل الولايات المتحــدة؛ ولكن هذا يرجع إلى حد كبير إلى نقص التمويل المؤسسي للإنتاجات المستقلة.
أعود إلـى سـبب دهشتي من تـرشـيح الأردن؛ لـيس السبب في قـــصة وسـيناريو الفيلم الوثائـقي للمخرجة سـاریـن ھـیرابـدیـان، لتمثیل الـبلاد فـي حـفل توزیع جـوائـز الأوسكار السابع والتسعین ینایر ٢٠٢٥ فـي فـئة أفـضل فیلم دولي طویل؛ والـذي يحكي قصة صبي فــي ظــل حـرب متعددة الأجيال فــي جــبال الــقوقــاز مــا بــعد الاتــحاد الــسوفــييتي.
الـبطل فـریـج،صـبي یـبلغ مـن الـعمر11عـاًمـا یحـلم بـأن یـصبح طـبیب أسـنان؛ لـكن ھیـعیش فـي مـنطقة نـاغـورنـو كـارابـاخ فـي أذربـیجان، الـمنطقة الـتي تـقع فـي قـلب صـراع عـرقـي وإقـلیمي دام عـقوًدا مـن الـزمـان بـین أرمـینیا وأذربـیجان؛ عـندمـا انـدلـع الـعنف مـرة أخـرى، اضـطر فـریـج وعـائـلته إلـى الـفرار، عـادوا لیجـدوا مـنزلـھم وأحـلامـھم فـي حـیاة طـبیعیة فـي حـالـة خـراب.
إنـه أول فـیلم طـویـل للمخـرجـة ھـیرابـدیـان، بـعد فـیلمھا الـوثـائـقي الـقصیرWe Are Not Done Yet أمـا سـبب دھشـتي فـیعود إلـى أن الـلغة الـتي یـنطق بـھا الـفیلم لیسـت لـغة أصـیلة أو أسـاسـیة فـي الأردن، الـفیلم غـیر نـاطـق بـالـلغة الـعربـیة أو الـلھجة الأردنـیة، ولا یـتعلق مـضمون الـفیلم بـقضیة لـھا عـلاقـة بـالأردن سـوى الـتمویـل الـمالـي فـقط، إضـافـة لـلعرض فـي مھـرجـان عـمان حـیث حـصد جـائـزتـین ھـناك، لـكنھ حـتى عـندمـا عـرض فـي مھـرجـان شـیفیلد للأفلام الوثائقیة لكنھ لم یحصد أي جائزة، ولم یُرشحھ المھرجان للأوسكار بفئة أفضل وثائقي.
یـذكـرنـي تـرشـیح فـیلم “رضـي الحـلوة” بـواقـعة “المـحارب” إنـتاج عـام ٢٠٠٣، مـن إخـراج آصـف كـابـاديـا.. كـان نـاطـق بـالـهنديـة وبـطولـة عـرفـان خـان، فـاز الـفيلم بـجائـزتـين بـافـتا – والـتي تُـعد أبـرز الـجوائـز الـبريـطانـية، وقـد اخــــتارتــــه الأكــــاديــــمية الــــبريــــطانــــية لـلسينما والــــتلفزيــــون لــــتمثيل المــــملكة المتحــــدة فــــي فــــئة “أفــــضل فــــيلم بــــلغة أجـنبية” لـجوائـز الأوسـكار عـام 2003؛ لـكن الأكـاديـمية اتخـذت خـطوة غـير مسـبوقـة، إذ قـامـت بـرفـض الـفيلم لأنـــه رغـــم أنـــه مـــن إخـــراج بـــريـــطانـــي المـــولـــد – مـــن أصـــل هـــندي – ورغـــم أنـــه تـــم إنـــتاجـــه بـــالاشـــتراك مـــع ثـــلاث شـركـات بـريـطانـية، إلا أن الـفيلم لـم يـكن مـؤهـلاً لـيكون بـريـطانـيا لأن “الـهنديـة ليسـت لـغة أصـلية فـي المـملكةالمتحــدة”.
تــدور الأحــداث فــي الــهند الإقــطاعــية، حــيث يــصبح المــحارب خــان فــريــسة فــي مــطاردة قــاتــلة عــبر جبال الهيمالايا.
اســـتعدت هـــذه التجـــربـــة عـــندمـــا أعـــلنت الأردن قـــبل أيـــام ســـحب تـــرشـــيحها لـــلفيلم مـــن الأوســـكار أفـــضل فـــيلم دولــي طــويــل، وقــبل أن تــرفــضه أكـادیـمیة فـنون وعـلوم الـصور المتحـركـة، أمـا سـبب الانـسحاب – الـمعلنة – فھـى الضغوط الممارسة من أذریبجان أحد الأطراف المتصارعة ضمن أحداث الفیلم.
مـا زال أمـراً آخـر مـثیر لـلدھـشة وھـو إصـرار الأردن عـلى تـرشـیح الـفیلم ضـمن أفـضل وثـائـقي وإعـلانـھا أنـھا تـقف وراءه، فـلماذا لا تـساھـم فـي إنـتاج أفـلام عـن قـضایـا أردنـیة وتـرشـحھا لـلأوسـكار مـباشـرة، لـماذا الـترشـیح بـالـوكـالـة؟ إن الأردن خـطت خـطوات كـبیرة فـي مـجال السـینما عـبر دعـم السـینما المحـلیة وعـبر تـشجیع الـتصویـر، فھـل الـمجتمع الأردنـي یخـلو مـن الـمشاكـل والـھموم الـتي تـحتمل أن تـكون نـواة لـصناعـة فـیلم سـینمائـى قـادر عـلى الـمنافـسة فـي جـوائـز الأوسكار؟ ھل أصبحت الأردن جنة الله على الأرض؟ وھل یعیش المواطن الأردني سعیداً؟
الـمفارقـة أن الأوسـكار الـوحـید فـي تـاریـخ السـینما الـعربـیة ھـو عـمل لا یـتعلق بـالـقضیة الـعربـیة وفـریـق الـعمل كـلھ أجـنبي بـاسـتثناء الإنـتاج والـتصویـر، إنـه “زد” للمخـرج الـیونـانـي الـفرنسـي كـوسـتا جـافـراس مـن إنـتاج الجـزائـر، لأنـھا في ذلك الحین كانت كعبة الثوار، وكان المخرج عاجزا عن إنتاج الفیلم في أي مكان آخر في أوروبا.
وأخـیراً، مـنذ ھـذا الـتعلیق الـساخـر مـن ألـفونـسو كـورون – عـن لـفظ “أجـنبیة” – تـبدل الـكثیر فـي أسـلوب الأوسـكار، فـفي الـعام الـتالـي مـباشـرة 2020، أصـبح الـفیلم الـكوري الـجنوبـي Parasite أول فـیلم غـیر نـاطـق بـالـلغة الإنجـلیزیـة یـفوز بـكل مـن جـائـزة “أفـضل فـیلم روائـي طـویـل دولـي” – الـمعروف سـابـقًا بـاسـم أفـضل فـیلم بـلغة أجـنبیة – وأفـضل فیلم؛ كما فاز المخرج بونج جون ھو بجائزة أفضل مخرج في ذلك العام.