11:44 ص
الثلاثاء 19 مارس 2024
القاهرة – (د ب أ)
يومًا بعد يوم تتزايد الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل بسبب تداعيات الحرب التي تشنها في قطاع غزة منذ حوالي خمسة أشهر ونصف الشهر. وفي أحدث موجة من تلك الانتقادات، قال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، إن غزة تعيش في حالة “مجاعة”، متهما تل أبيب باستخدام “التجويع” كسلاح حرب، وهو أمر محظور تماما بموجب القانون الدولي.
وحذر بوريل، الذي لطالما انتقد إسرائيل بشدة منذ اندلاع الحرب، خلال مؤتمر لوزراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل الإثنين، من أنه “في غزة لم نعد على حافة المجاعة، نحن نشهد حالة من المجاعة التي تؤثر على آلاف الأشخاص، ومن غير المقبول استخدام التجويع كأداة للحرب. إسرائيل تسبب المجاعة”.
وأضاف: “لنكن صرحاء ونقولها علنا، إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح في الحرب على غزة. نرسل دعما جويا بينما المساعدات تنتظر على الحدود على بعد ساعة من المكان الذي تلقى فيه المساعدات الجوية”، في انتقاد لعرقلة الحكومة الإسرائيلية إيصال المساعدات برا.
وتردد صدى تلك التحذيرات في القاهرة على لسان فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الذي أشار خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أن “المجاعة وشيكة في شمال قطاع غزة، ومن المتوقع أن تحدث المجاعة في وقت من الآن وحتى شهر (أيار) مايو”.
وقال: “في نفس اليوم الذي ظهرت فيه بيانات جديدة عن المجاعة في غزة، السلطات الإسرائيلية تمنعني من الدخول إلى غزة”.
وأضاف لازاريني: “يواجه مليونا شخص، أي جميع سكان غزة تقريبا ، مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي أو ما هو أسوأ من ذلك. نصف السكان استنفدوا تماما الإمدادات الغذائية وقدراتهم على التكيف. إنهم يعانون من الجوع الكارثي والمجاعة. هذا هو أكبر عدد من الأشخاص يتم تسجيله على الإطلاق على أنهم يواجهون جوعا كارثيا من قبل نظام الأمن الغذائي المتكامل، وهو ضعف العدد الذي كان عليه الوضع قبل ثلاثة أشهر فقط”.
وأشار إلى أن “هذه المجاعة التي هي من صنع الإنسان تحت أعيننا هي وصمة عار على جبين إنسانيتنا الجماعية. لقد ضاع الكثير من الوقت، ويجب فتح جميع المعابر البرية الآن. ويمكن تجنب المجاعة بالإرادة السياسية”.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت في وقت سابق، من أن عدد الأطفال ممن هم دون سن العامين الذين يعانون من سوء التغذية الحاد تضاعف خلال شهر واحد وأن الأطفال يموتون الآن من الجفاف والجوع.
وفي الوقت الذي فقدت فيه إسرائيل الدعم المطلق الذي حظيت به عقب هجمات 7 أكتوبر، وتزداد الاتهامات الموجهة إليها بزيادة حصيلة قتلى حربها لا سيما في صفوف المدنيين من نساء وأطفال، يصر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على مغامرة يصفها مراقبون بأنها ستكون الأخطر في موجة التصعيد الحالية، وهي شن عملية برية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، متجاهلا كل التحذيرات الإقليمية والدولية.
وربما كان هذا الموضوع هو محور الاتصال الهاتفي الذي جمع نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن الإثنين، وهو أول اتصال بينهما منذ منتصف فبراير الماضي.
فخرجت التصريحات الأمريكية، عقب الاتصال الذي استمر 45 دقيقة، لتؤكد مجددا على موقف واشنطن الذي يرى أن “عملية برية كبيرة في رفح ستكون خطأ وستعمق الفوضى في غزة”. واعتبر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، أن “هناك طرقا تمكن إسرائيل من الانتصار في الحرب والحفاظ على أمنها بدون اجتياح رفح”.
إلا أن سوليفان أقر في الوقت نفسه بأن “اتفاقا لوقف إطلاق النار في غزة أصعب منالا مما كانت تتمنى واشنطن”.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن بايدن قال لنتنياهو إن عملية في رفح قد تؤدي إلى “عزل” إسرائيل، إلا أن الأخير أطلق العنان لتصريحات مكررة أكد فيها “التزام إسرائيل بتحقيق جميع أهداف الحرب: القضاء على حماس، والإفراج عن جميع الرهائن، وضمان ألا تشكل غزة بعد الآن تهديدا لإسرائيل، مع توفير المساعدات الإنسانية اللازمة التي تساعد على تحقيق هذه الأهداف”.
وأعرب سوليفان عن اعتقاده أن تل أبيب لن تمضي قدما في عملية رفح “قبل أن نجتمع معا لوضع الاستعدادات لذلك”، مشيرا إلى أن “إسرائيل لم تقدم بعد أي خطة لحماية المدنيين في رفح”.
وأضاف أن نتنياهو وافق على إرسال فريق إلى واشنطن لمناقشة العملية العسكرية المرتقبة في رفح.
في الوقت نفسه تحدث سوليفان عن الحاجة لمزيد من الضغط على حماس لوقف الحرب، بينما أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن رغبتها في رؤية نهاية للحرب في غزة بأسرع وقت “وحماس يمكنها فعل ذلك عبر إلقاء سلاحها”.
من جهته، اتهم السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز إسرائيل بخرق القانون “ولا يمكننا كأمة أن نكون متواطئين في تجويع الأطفال… واشنطن تدافع وحدها تقريبا عن حكومة نتنياهو المتطرفة في حربها الشاملة ضد الفلسطينيين”.
وألقت صحيفة بوليتيكو الأمريكية الضوء على خطورة الوضع الإنساني في غزة، مشيرة إلى أن أكثر من مليون شخص سيواجهون أوضاعا “كارثية” بحلول منتصف تموز/يوليو المقبل، حال هاجمت إسرائيل رفح، مستندة إلى أحدث تقرير للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو أداة موحدة تستخدم لتصنيف شدة ومستوى انعدام الأمن الغذائي.
كما ألقت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الضوء على الموضوع ذاته، مشيرة إلى هذا التقرير الذي حذر من أن “المجاعة قد تكون بدأت بالفعل في شمال قطاع غزة، وقد تنتشر عبر القطاع المحاصر، مما قد يدفع 2ر2 مليون فلسطيني إلى أزمة غذائية هي الأوسع والأخطر في العالم”.
وأشار التقرير ، الصادر عن مجموعة من المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية، إلى أن نحو نصف سكان غزة يواجهون مستويات كارثية من الجوع والمجاعة من الآن وحتى تموز/يوليو. وأوضح أن المناطق الأكثر تضررا تقع بشكل مباشر في المناطق الشمالية، التي عزلتها القوات الإسرائيلية عن النصف الجنوبي من القطاع والتي لم يصلها سوى قدر ضئيل من المساعدات.
ونقلت واشنطن بوست عن بيث بيكدول ، نائب المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قولها إن “غزة لديها الآن أكبر نسبة من السكان تحصل على التصنيف الأكثر خطورة على المؤشر المكون من خمسة مستويات للأزمات الغذائية، منذ أن بدأ إصدار تقارير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في عام 2004”.
ووصفت بيكدول الوضع في غزة بأنه بات الأسوأ من حيث نقص الغذاء الكارثي مقارنة بالوضع الراهن في السودان والصومال وأفغانستان، حيث يعاني الملايين من الأزمات ومستويات الطوارئ من انعدام الأمن الغذائي.
ويرى محللون أنه في ظل هذه المعطيات، يتعين على المجتمع الدولي إيجاد سبيل فعال وعدم الاكتفاء بإطلاق التحذيرات والانتقادات للحيلولة دون الانزلاق إلى وضع خطير للغاية يشهد فيه العالم مجاعة القرن ويتلاشى معه ما تبقى من مصداقية وفاعلية المؤسسات والمنظمات الدولية.