05:01 م
الخميس 26 ديسمبر 2024
المنيا – جمال محمد:
تشتكي الأسر في محافظة المنيا من ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير، مما يهدد قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسية، فتحت وطأة التضخم المتصاعد، تتأوه الأسر فى عروس الصعيد من ارتفاع الأسعار الذي أرهق ميزانياتهم، فبعد أن كانت حياة بسيطة، أصبحت اليوم معركة يومية من أجل تأمين الاحتياجات الأساسية.
من جانبه يروي الحاج جابر محمد، نجار مسلح من المنيا، قصته مع توفير نفقات أسرته التي تتكون من زوجة واثنين من الأبناء، ( فتاة بالصف الثالث الثانوي وآخر بالصف الثاني) شهريًا، قائلًا: “أعمل في مجال النجارة منذ أن كان عمري 14 عامًا، والآن قارب عمري على الخمسة وخمسين، أي أكثر من 40 سنة في تلك المهنة الصعبة، ولن أبالغ عندما أقول أن ما حققته في فترة شبابي من شراء منزل ودراجة بخارية والسفر لتأدية العمرة، عندما كانت أجرتي اليومية 5 جنيهات، وصولا لـ10 جنيهات، و 50 جنيها، لا أستطيع الآن تحقيقه وأنا أجرتي اليومية 200 جنيها (أُسطا نجارة)، في حين باقي العمال لا يتجاوزون الـ 120 و150 جنيها في اليوم، إذ نعاني الآن من ارتفاع كافة السلع ولا أقصد هنا اللحوم والدواجن التي أصبح لها جدول في منزلنا لا يتخطى يوم أو اثنين أسبوعيًا، ولكني أتحدث عما هو أقل من ذلك بكثير، مثل البيض والجبن، والخبز الحر، والوقود وأسطوانة البوتاجاز”.
وأضاف النجار المسلح: “مبلغ الـ 6000 آلاف جنيه التي هي حصيلة راتبي الشهري في حالة عملي أيام الجمعة ولا أحصل على إجازة، لا يكفي أسرتي الصغيرة التي تتكون من 4 أفراد”، موضحا أنه ينفق راتبه الشهري على النحو التالي “2500 جنيه دروس وانتقالات لأبنائه، و300 جنيه شحن لكارت الكهرباء، و200 جنيه غاز وماء، و2 كيلو لحم بـ 800 جنيه، و 3 دجاجات بتكلفة 450 جنيها تقريبًا، وما يتبقى من مبلغ يقوم بشراء الخضروات أسبوعيا، والإفطار البسيط من فول وجبن مُعلب نظرًا لانخفاض سعره، وزيادة وزنه بشكل أكبر من الأنواع الأخرى”.
وتابع: “أحاول أعيشهم بنزاهة زي ما تربينا في منازل أهالينا، ولكن المخاطر والخوف من أية طوارئ ليست في الحسبان”.
قصة الحاج جابر، تعكس معاناة الكثيرين، ومن بينهم “مصطفى أ” محاسب بإحدى القطاعات الحكومية بالمنيا، الذى أكد أنه حتى سنوات قليلة ماضية كان يُفضل العمل الحكومي فقط حتى يتمكن من التواجد مع أسرته باقي اليوم، وهو حق أصيل لهم ليجلسوا سويا أو للخروج إلى أحد منتزهات المحافظة المجانية، خاصة كورنيش المنيا، ولكن ذلك بدأ يتلاشى مع مرور الوقت خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة مع اتجاهه للعمل في شركة تجارة لمدة 6 ساعات في الفترة المسائية.
وأضاف المحاسب حديثه لـ”مصراوي”، قائلا: “الأمور كانت في بداية زواجي يسيرة ومع انجابي للأبناء مع مرور الوقت كان راتبي كذلك يزيد، ولكن شعرت بحدوث فجوة كبيرة في الأعوام الأخيرة، فعلا سبيل المثال بدلا من الخروج للتنزة أو لتناول الغداء في أحد المطاعم لمرة كل أسبوع، بدأنا في التوقف عن ذلك تماما، وكذلك أوقفنا السفر كل 6 أشهر إلى القاهرة للتنزة لمدة يومين، حتى الأجازة السنوية الصيفية للسفر إلى الإسكندرية أو غيرها أوقفناها، نظرًا لاحتياجات المنزل التي باتت تتدبر على المحك، رغم مضاعفة ساعات عملي من خلال العمل فترة أخرى، ومضاعفة راتبي من خلال تدبير أموري وتدبير نفقات المنزل بدون أية إسراف”.
وتحدث الشاب صاحب ال39 عامًا، كذلك عن سعيه مؤخرًا للموافقة على عمل زوجته في إحدى المبادرات بالجمعيات الخاصة، مقابل راتب 2200 جنيه، مشيرًا إلى أنه راتبها ليس مجزيا، ولكنه يكفي على الأقل احتياجاتها، فضلا عن مساهمتها معه في تدبير بعضا من أمور أحد الأبناء الثلاثة.
لم يعد ارتفاع الأسعار يؤثر فقط على محدودي الدخل، بل امتد إلى الأسر ذات الدخل المتوسط والعائلات الكبيرة، فما كان معتادًا من احتفالات كبيرة وموائد عامرة في المناسبات، أصبح الآن أمرًا صعب المنال، حيث لجأ الكثيرون إلى تبسيط هذه المناسبات وتقليل النفقات.
ويذكر الشيخ عبدالله حافظ، مزارع، وأحد أهالي إحدى القرى بمركز مطاي، أن غالبية الأفراح في القرى كانت دائمًا ما تشهد قيام أهالي العروسين بذبح بقرة أو بقرتان وإقامة ليالي العشاء لجميع الأهالي، أما الآن فالغالبية تتجه إلى حجز كميات من اللحوم حسب الحاجة فقط، فنجد قيام أسرة العريس بحجز نصف عجل مقدما من الجزاء، مع التنبيه على طاهي الطعام بالاقتصاد في تقطيع اللحوم أثناء تنزيل وجبات الطعام للمعازيم، وفي حالة الحاجة إلى مزيد من اللحوم أثناء الحفل يقوم بشراء كميات بالكيلو، مضيفًا: “كل ذلك مشاهد جديدة لم نكن نعرفها إلا مؤخرًا، ولكن لا مجال للبذخ “.
وأشار حافظ إلى أن أمور الاقتصاد الدائم والتخطيط لتدبير النفقات وصل إلى المزارع نفسه حتى في عمله، فعلى سبيل المثال نجد المزارع المستأجر يعاني من ارتفاع إيجارات الفدا التي قفزت من 5 و 6 آلاف جنيه سنويا إلى 18 و 20 ألف جنيه سنويا، وكذلك العزوف عن تربية الماشية بكميات كبيرة، والاكتفاء بواحدة أو 2 على الأكثر نظرا لغلاء تكلفة علف الماشية، حتى الربيع “الحشيش الأخضر” قد ارتفع سعره، وباتت تربية الماشية في حظائر المزارعين تكلفهم مبالغ تقارب ما ينفقونه على أسرهم في منازلهم.
يذكر أن محافظة المنيا يبلغ تعداد نسماتها 6 ملايين و 700 ألف نسمة تقريبًا، موزعين على 9 مراكز وبها أكثر من 1000 قرية وتابع.