جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
مع كل إعلان لنتيجة مرحلة الثانوية العامة ومع حلول فصل الصيف تطفو قضية التعليم العالي (الجامعي وغير الجامعي) ومستقبل الشباب على سطح المجتمع.
ويتم التعامل مع مستقبل الشباب من زاوية محدودة وهي الكليات التي سيلتحق بها ومدى توافق ما سيتعلمه مع متطلبات سوق العمل الذي يتم التعامل معه هو الآخر باعتباره أشياء محددة وواضحة.
وفي ظل كل تلك التقاطعات يتراجع التفكير عن دور التعليم العالي في ترسيخ الهوية الوطنية، على أساس أن عملية بناء الهوية تتم في مراحل التعليم الأساسي.
وعليه، لا يفكر القائمون على التعليم العالي في دور الأخير في دعم وحماية الهوية الوطنية للشباب. ولا أريد أن أقول إنه قد يساهم – بوعي أو دون وعي- في خلخلة تلك الهوية.
والهوية الوطنية لا تترسخ فقط من خلال الندوات واللقاءات والمؤتمرات، لأن من يشارك في تلك الفعاليات عدد محدود قد لا يمثل قطاعات الشباب الواسعة. وإنما تترسخ الهوية الوطنية بمخرجات التعليم العالي، وبشعور الخريج بوجود فرص وإمكانات وأفكار وقيم تمكنه من البقاء والبناء والتنمية.
كثيراً- بل غالباً – ما نسمع كلمات حول الفرص في الخارج والتطلع للسفر والحاجة للمغادرة. وهذا يعتبر حق لأي شاب أو فرد في أن يبحث عن فرص أفضل في أي مكان. ولكن نأتي بعد ذلك لنشكو من هجرة العقول ونقص في تخصصات بعينها وتغيير مسارات علمية وعملية من أجل البحث عن مستقبل أفضل للفرد. كل هذا من شأنه أن يخلخل الهوية الوطنية للشباب في مصر.
بل وأزيد على ما سبق عوامل أخرى تدفع في هذا الاتجاه وهي ترسيخ ” الفردانية المادية”. فالهويات لا تتشكل في ظل الفردانية أو بالتركيز على الماديات فقط. فلدينا عزوف من مؤسسات التعليم العالي عن الاهتمام بالتعليم والمقررات العلمية التي تشكل الهوية والوجدان وتحقق التماسك الاجتماعي الداخلي الذي يعتبر عماد وركيزة حماية الأمن القومي؛ ومن هذه العلوم الآداب والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والعلوم السياسية والاقتصاد. جميع تلك العلوم تشكل البنية المعرفية التي تساعد على ترسيخ الهوية الوطنية والحفاظ عليها والدفاع عنها. كما أنها تساعد على التفكير النقدي وتشكيل وجدان وقيم الشباب وجعلهم أكثر حرصاً على احترام وحماية هويتهم الوطنية.
كما تعد اللغة العربية من أهم الأدوات التي تعطي للهوية الوطنية معنىً وقيمةً وتساهم في نقل عناصر تلك الهوية عبر الأجيال المختلفة. لدينا شباب لا يجيد اللغة العربية ولا يحترمها. لدينا شباب يفرز لغة ” مسخ” خاصة به لا تنتمي إلى أي لهجة مصرية أو لغة أجنبية. لدينا شباب يعيش في مصر بجسده ولكن روحه في عالم آخر واقعي أو افتراضي.
لقد حان الوقت لاهتمام الدولة بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية بإنقاذ الهوية الوطنية من الضياع. كما حان الوقت لوضع خطة اجتماعية ثقافية تتعدى الموضوعات الكلاسيكية التقليدية إلى بناء ثقافة وطنية لهؤلاء الشباب بشكل حقيقي ومستدام.