02:56 م
الإثنين 11 مارس 2024
كتبت- سلمى سمير:
مع مرور عدة متغيرات على ساحة السياسة الإسرائيلية لا تزال قضية الحريديم تفرض نفسها بوضوح على عدة مقلقات أخرى تؤرق الإدارة الإسرائيلية، مع استمرار مشكلة نقص عدد قوات الجيش الإسرائيلي بلا حل حتى الآن، والتي قابل محاولات حلها رفض قوي لتغيير وضع عمره عقود.
تهديد بالهجرة
لم يكن رفض الحريديم بالسهل أبدًا، مع أخذ رفضهم عدة مناحي بدأت في التزايد شيئًا فشيئًا، آخرها التهديد بقرار بإمكانه تغيير الوضع بشكل كامل، وذلك من خلال تلويح الحاخام الأكبر في إسرائيل يتسحاق يوسف بهجرة جميع أبناء الحريديم إلى الخارج في حال تم إجبار الحريديم على الخدمة الإلزامية داخل الجيش.
“إذا أجبرونا على الانضمام إلى الجيش، فسننتقل جميعًا إلى الخارج” كانت هذه إحدى الكلمات التي حاول يتسحاق بها بت الجدل المثار ضد الحريديم من خلال درسه الأسبوعي بالقدس، والذي حاول من خلاله الترويج لمزاعم أهمية التوراة في بقاء إسرائيل، قائلًا إن التوراة تلعب دورًا حاسمًا في نجاح إسرائيل وبقائها، مع تفرغ يهود الحريديم لدراسة التوراة والانضمام للمدارس والمعاهد الدينية.
ولم يكتف يتسحاق بنسب فضل بقاء إسرائيل إلى الحريديم فحسب، بل أرجع لهم فضل الحماية من هجوم المقاومة الفلسطينية في الـ7 من أكتوبر بزعمه أن الحماية الإلهية كانت إلى جانبهم يوم الـ7 من أكتوبر بسبب القوة الروحانية للحريديم ودراستهم للتوراة وليس لبراعة الجنود العسكرية.
انهيار إسرائيلي
يشكل الحريديم 13 % من المجتمع الإسرائيلي، وهي نسبة قادر انسحابها على تغيير وزن إسرائيل في المنطقة حسب صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، إلا أن انضمامها قادر على تغيير قواعد اللعبة كذلك، بإمكانية الجيش الإسرائيلي الحصول على 105 كتيبة جديدة “ضرورية” إذا تم تجنيد 66 ألف شخص فقط من الحريديم، وذلك حسب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الذي طالب بإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد الإجباري، وهو ما أيده عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية.
ناقش لابيد خطورة مسألة نقص أعداد الجيش الإسرائيلي جراء حرب دخلت شهرها الـ6، بشكل جدي خلال جلسة للكنيست الإسرائيلي، قائلًا إن “أسطورة” امتلاك إسرائيل لجيش صغير ذكي يستطيع بالتكنولوجيا المتطورة التغلب على إشكالية نقص القوات العسكرية انهارت بشكل كامل كما انهار الجدار العازل في الـ7 من أكتوبر أمام المقاومة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي طالب فيه زعيم حزب “يش عتيد” بالتعجيل في زيادة أعداد جنود الجيش بشكل كبير، إلا أنه تحدث عن عدم امتلاك المؤسسة العسكرية في إسرائيل أدنى فكرة عن تدبير هذه الأعداد.
صدام
وبينما اتخذ الحريديم جانب التظاهر والاشتباك مع الشرطة والتنديد بأي مناقشة تلزمهم بالتجنيد، كان هناك جانب آخر معارض لا يستهان به يرى أن إعفاء الحريديم من التجنيد الإلزامي أمر غير عادل، بدعوتهم إلى توزيع عبء الحرب والقيام بالمهام العسكرية على الجميع، وهو ما تحدث رئيس منظمة “تسوهار” الحاخام ديفيد ستاف، واصفًا تصريحات الحاخام الأكبر بالهروب من البلاد لتجنب الخدمة الإلزامية بـ “وصمة عار أخلاقية”.
ودعا ستاف الحاخام الأكبر لتشجيع يهود الحريديم على الانضمام للجيش في الوقت الذي تخسر فيه إسرائيل عدد كبير من جنودها بشكل يومي في غزة ولبنان وتحمل المسؤولية بشكل جماعي، في اتجاه يبدو أن الرأي العام الإسرائيلي بدأ تبنيه بشكل واضح ففي استطلاع رأي للمعهد “الإسرائيلي للديمقراطية” طالب 70% من اليهود الإسرائيليين إصدار قانون تجنيد جديد يلغي إعفاء يهود الحريديم من الخدمة العسكرية.
دفع إحجام الحريديم عن خوض أي حرب عسكرية، عدد من المسؤولين باختلاف اتجاهتهم من المعارضة والحكومة إلى تجميع أصواتهم في مسألة واحدة وهي إلغاء إعفائهم من التجنيد الإجباري، فرغم توجيه الانتقادات له في أكثر مناسبة بسبب مواقفه المتطرفة إلا وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير طالب الحريديم بالانضمام إلى الجيش في ظل الأزمة التي تواجهها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، لكن بأسلوب “لبق” من خلال حديثه مدى الشرف والامتيازات التي سيتحلى بها كل من ينضم إلى الجيش الإسرائيلي.
لكن هذا لم يكن الحال مع عضو مجلس الحرب بيني جانتس، حين انتقد بشكل صريح تصريحات الحاخام الأكبر، واصفًا إياها بتمثيل ضررًا أخلاقيا على الدولة والمجتمع الإسرائيلي، مطالبًا في الوقت ذاته جميع عناصر المجتمع الإسرائيلي بمن فيهم الحريديم بالمشاركة في الحرب الدائرة.