جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تعتبر الصحوة الفكرية والاجتماعية دعوة للسعي نحو تحقيق وعي حقيقي يمكن الأفراد من بناء مجتمع يتأسس على قيم الحق والحرية والعدالة واحترام التاريخ والعادات والتقاليد الإيجابية وعلى احترام وتنمية عقل الفرد.
فالصحوة تدفعنا إلى الفهم العميق لذواتنا ومجتمعاتنا والمجتمعات المحيطة بنا من خلال تحرير الفرد من قيود الجهل والإشاعات والانقياد الأعمى وراء معلومات تنتشر هنا وهناك بدون فهمها أو تحليلها تحليلا َ نقديا مما يجعل الفرد عرضة للتلاعب من قبل عوامل وقوى ثقافية وسياسية خارجية. ويبرز أهمية إعمال التفكير النقدي في تمكينه الفرد من مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية.
ويعتبر الوعي الجماعي هو أساس التغيير الجماعي وإحداث الصحوة الفكرية والاجتماعية المنشودة من أجل إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية والمجتمعية التي قاربت على الاندثار فوقعت في براثن شبكات الإعلام المجتمعي تلهو بها وتؤولها بلا فهم أو سند.
وقد كانت الصحوات الفكرية والاجتماعية التي شهدتها مصر والعالم العربي بل والعالم بأسره هي قوة تحرر وليس وسيلة للتهميش والعزلة، وذلك بدءاً من الصحوة الفكرية التي صاحبت الدعوة إلى التوحيد في مصر القديمة مروراً بنزول الأديان التوحيدية التي حملها الأنبياء والرُسُل وانتهاء بثورات الحقوق السياسية والمدنية ضد العبودية والتهميش والدعاوى من أجل التحرر الوطني من الاستعمار بأشكاله المختلفة.
فالصحوة الفكرية والاجتماعية هي مواجهة بين الوعي والجهل في سياق المجتمعات الإنسانية المختلفة.
وقد شهدت المجتمعات العربية والإسلامية ومنها مصر سلسلة من الصحوات الفكرية والاجتماعية نقلتها من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي والبناء والعلم والتحضر والعدالة والمساواة وصل أوجها في القرن التاسع والقرن العاشر الميلادي. حيث انشغل المفكرون العرب والمسلمين بترسيخ ونشر العلم والمعرفة حتى تحققت الابتكارات في شتى صنوف العلم في ظل سياق تاريخي وثقافي مستنير. فحظي العالم الإسلامي والعربي والغربي بمفكرين وعلماء مثل الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن خلدون والجاحظ وابن الهيثم ربطوا القيم الإنسانية بالعلم، وأحدثوا صحوة ثقافية واجتماعية وأثروا الحضارة الإنسانية وتركوا بصمة واضحة في تاريخ الفكر الإنساني.
فما أحوج مجتمعاتنا العربية ومجتمعنا في مصر الآن لمثل تلك الصحوات التي تعيد للقيم وللعلم مكانتهما مستثمرة في ذلك التطورات والطفرات التقنية الرقمية من أجل رفع الوعي بتاريخ يندثر وواقع مقيد ومكبل يتطلع إلى التحرر من براثن الجهل والتبعية الفكرية والثقافية.