جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
التطورات الحاصلة في الحرب الروسية الأوكرانية في الأيام الأخيرة تبدو عصية على الفهم، وتبدو للذين تابعوها وكأنها لغز كبير.
فهذه الحرب التي دخلت عامها الثالث في الرابع والعشرين من فبراير الماضي كانت تدور أغلب الوقت دون غالب ولا مغلوب، وكانت روسيا إذا حققت فيها اختراقات عادت ففقدتها من جديد، وكان الروس يضربون الأراضي الأوكرانية بكل ما يستطيعون من سلاح، وكان الأوكرانيون يردون ويستهدفون الروس بكل قوة ممكنة.
صحيح أن روسيا استولت على أربع مناطق حدودية، وضمتها، وعينت حكاماً محليين لها من جانبها، ونظمت فيها انتخابات.. ولكن أوكرانيا كانت طول الوقت لا تعترف بضم المناطق الأربع، وكانت تؤكد أنها مناطق أوكرانية لحماً ودماً، وكانت تقول أنه لا فصال لها مع موسكو حول سيادة الحكومة الأوكرانية على أرضها كاملة.
وهكذا مضت الحرب طوال ما يقرب من عامين ونصف العام على هذه الوتيرة، فلا روسيا كانت منتصرة بالمعنى الحقيقي للنصر، ولا أوكرانيا كانت منهزمة، وكان الطرفان يمارسان ما يشبه لعبة عض الأصابع فيما بينهما.
ولكن الأيام الأخيرة جاءت على غير ما تشتهي سفن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استيقظ ذات يوم فإذا القوات الأوكرانية تدخل من الحدود الى بلاده، وإذا بها لا تدخل فقط وإنما تتوغل في الأراضي الروسية يوماً بعد يوم !
وفي مرحلة من مراحل التوغل قال الأوكرانيون أنهم دخلوا أرض روسيا بعمق ١٢ كيلو متراً وبعرض ٤٠، وقيل في بعض التعليقات السياسية التي تعرضت لهذا التوغل الغريب العجيب، إن هذه أول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تدخل فيها قوات أجنبية الى روسيا بهذه الطريقة!.. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ولكن موسكو وجدت نفسها مضطرة الى إجلاء ٧٦ ألفاً من منطقة كورسك التي توغل فيها الجيش الأوكراني، ولا يزال حاكم المنطقة يقول إنه في حاجة الى إجلاء آخرين !
وتمادى الأوكرانيون أكثر وأكثر فقالوا إنهم سوف يقيمون منطقة فاصلة بينهم وبين روسيا في المناطق الحدودية بين البلدين !
أغرب ما في الأمر أن هذا كله تم ولا يزال يتم وسط صمت روسي مريب، بل إن المقاومة العادية التي كانت منتظرة من جانب الجيش الروسي لا وجود لها تقريباً.. ولم يعلق بوتين على ما حدث بشيء سوى أن الأوكرانيين يحاولون تحسين مركزهم التفاوضي عند الجلوس على طاولة تفاوض.. وهذا في الحقيقة كلام غير مقنع .
ثم عاد الروس يقولون إن ما تم كان بمساعدة من الغرب ومن حلف شمال الأطلنطي لأوكرانيا، وهذا بدوره كلام من نوع تحصيل الحاصل، لأن الغرب لا يخفي ذلك منذ بدء الحرب ولا حلف شمال الأطلنطي يخفيه هو الآخر .
القصة فيها أشياء غير معلنة، وهي أشياء سرعان ما سوف تتسرب، لأن الموضوع لا يمكن أن يبقى بهذا الغموض .