04:10 م
الإثنين 24 يونيو 2024
المنيا- جمال محمد:
تنتشر في محافظة المنيا قصور تاريخية، ولكل منها قصة وحكاية، لازال الأهالي يرددونها ويتفاخرون بها، فضلًا عن توثيق تلك القصور في كتب ومجلدات الآثار والتاريخ، ليُعاد ذكر القصة من حين لآخر.
في مدينة المنيا، وعلى أعتاب قرية ماقوسة، تلك القرية التي تستقبلك فور دخولك للمدينة من الجنوب، ويبلغ تعداد سكانها 27 ألف نسمة تقريبًا، تجد حديقة كبيرة تضم جناين فاكهة قديمة، ويبدوا أنها لم تكن حديقة عادية، لتكتشف بعدها أنها كانت ملاصقة لقصر كبير لأحد أعيان القرية والمحافظة والمعروف بقصر الماقوسي، وتحول فيما بعد إلى معتقلًا لكبار السياسيين، ومنهم الرئيس السابق محمد أنور السادات الذي قضى فيه فترة ليست بالقصيرة عقب تجريده من رتبته العسكرية إبان الإحتلال البريطاني لمصر في أربعينات القرن الماضي.
ووفقًا لما يرويه أثريو المنيا، فإن القصر كان ملكًا لأحد أعيان المحافظة وهو عبدالرحمن سليمان المقاوسي”، ويقع على مشارف قرية ماقوسة جنوب مدينة المنيا، وجرى إنشائه في مطلع القرن العشرين على مساحة 460 مترًا تقريبًا، وبعد 35 عامًا تقريبًا من إنشائه بدأت تسوء الحالة المادية لمالكه، فقرر أن يقوم بتأجيره للحكومة المصرية وقت الإحتلال لانجليزي، والتي قررت أن يكون معتقلًا لكبار السياسيين والأجانب في ذلك الوقت، وتم إحاطته بأسوار من السلك وعشرات الجنود.
وكان يمتاز قصر الماقوسي بروعة تخطيطه خاصة الأخشاب والزخارف والزجاج الملون الذي كان يكسوه، إّ كان مكونا من طابقين، ويطل على ضفاف ترعة الإبراهيمية.
وأبرز ما شهده القصر على مدار تاريخه هو اعتقال الرئيس السادات بداخله وقضاء فترة حبس بلغت 9 أشهر بداية من ديسمبر عام 1942 إلى شهر سبتمبر 1943، برفقة عدد من الضباط الذين تم فصلهم من الجيش وبعض السياسيين في عهد الاحتلال، وجاء سبب الاعتقال بسبب اتصالاته بالألمان وحيازة جهاز لاسلكي، والتحريض ضد الانجليز للتخلص من حكمهم، فتم إلقاء القبض عليه وسجنه بعد خلع الرتبة العسكرية، وكانت بداية سجنه في سجن الأجانب، ثم معتقل ماقوسه بالمنيا، ثم معتقل الزيتون قرب القاهرة وهرب من المعتقل عام 1944 وظل مختبئًا حتى عام 1945، حتى سقطت الأحكام العرفية، وانتهى إعتقاله حسب القانون، وفي يناير 1950 عاد للقوات المسلحة برتبة يوزباشي، ثم ترقى عدة مرات.
واستغل السادات فترة إعتقاله في القصروتعلم اللغة الألمانية على يد صديقه “حسن جعفر” الذي كان شقيقًا لأحد الجواسيس الألمان حينذاك، وكان يرى دائما الرئيس السابق أنه صاحب فضل عليه في تعلم تلك اللغة.
يتحدث الرئيس السادات عن قصر الماقوسي في كتابه “البحث عن الذات” ( لم يكن المعتقل الجديد الذي نقلونا إليه معتقلا بمعنى الكلمة بل قصراً شامخاً يقف منعزلا على ضفاف مياه ترعة الإبراهيمية يحيط به التراب وخلفه قرية صغيرة لا تختلف كثيرا عن ميت أبو الكوم .. وعرفنا بعد ذلك أنه كان ملكا لأحد أعيان حزب الوفد وساءت حالته المالية فأجره للحكومة التي أحالته إلى معتقل، فعندما وصلنا وجدنا المهندسين العسكريين يعملون في بناء أسوار من الأسلاك الشائكة تحيط بالقصر كله .. وكانت اقامتي بمعتقل ماقوسة صعبة في الأيام الأولى رغم أنه كان قصرًا منيعا به مرايا فرنسية وأخشاب فاخرة وشبابيك من الزجاج الملون وحمامات رائعة … أشياء لم أر مثلها من قبل في حياتي بهرتني في أول الأمر وكانت مصدر دهشة لي ولكن مع الوقت تعودت عليها وأصبح السجن سجنا كبقية السجون ).
وظل قصر الماقوسي مغلقًا لعشرات السنين حتى عام 2011 دون أي استغلال، إلى أن جرى هدمه في ظروف غامضة ولازال محيطه خاليًا حتى اليوم، إلا أن أهالي القرية لا ينسون تلك الذكريات، خاصة أنه يتردد أن الرئيس السادات زار القرية في أحد زياراته للمنيا بعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية وقدم الشكر لأهلها.