جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يثير اصطلاح المجتمع المدني العديد من المخاوف في أذهان المهتمين بالعمل السياسي وعند العوام. وعلى الرغم من أن مصر جاءت في صدارة دول العالم في انشاء جمعيات أهلية منذ بداية القرن التاسع عشر، إلا أنه في منذ الثمانينات من القرن العشرين تصاعدت لهجة ارتباط عمل المجتمع المدني بالخارج. فكل من يعمل أو يهتم بالمجتمع المدني فهو يتواصل مع الخارج. وهذا تصور جانبه الصواب وتسبب في تراجع دور قطاع واسع وكبير من الأنشطة التي يمكن أن تستكمل أدوار الدولة في العديد من المجالات من جانب، ومن جانب آخر أدى إلى انزواء وتراجع عقول وخبرات جيدة خسرتها الدولة. كما تسبب هذا التوجه في تقليص الإنتاج الفكري والعلمي حول المجتمع المدني.
وبشكل عام يمكن تعريف المجتمع المدني بأنّه المجتمع الذي تكونت مؤسساته ومنظماته بشكلٍ مستقل عن سلطة الدولة؛ حيث يجمعها فيما بينها رابطة اختيارية طوعية، كما أنّه يقوم على العمل الاجتماعي لتحقيق المصالح المشتركة؛ كالجمعيات الخيرية، والمنظمات غير الحكومية، والحركات الاجتماعية، والنقابات، ومنظمات حقوق الإنسان، والتنظيمات التجارية. وفي بعض الأحيان يتم ضم الأحزاب السياسية إلى منظمات المجتمع المدني كما في التجربة الألمانية.
ولكل من هذه المنظمات أهدافها وأدوارها. إلا أنه تلاحظ في العشرين عاماً الأخيرة أن أدوار هذه المنظمات اختلطت مع بعضها البعض مما أذاب الفواصل والحدود بينها، وتسبب ما سبق في انتهاك القوانين التي أنشأت بموجبها. ففي الآونة الأخيرة تقوم بعض الأحزاب السياسية بأدوار الجمعيات الأهلية بالتزامن مع أدوارها السياسية من تثقيف سياسي والتنافس من أجل الوصول للسلطة. فهناك نشاط اجتماعي خيري واضح للأحزاب السياسية للوصول للقواعد الجماهيرية واستقطابها لبرامجها أو لمرشحيها في الانتخابات. كما تقوم الأحزاب السياسية على تنوع عقائدها السياسية باستقطاب أعضاء من العاملين في الجمعيات الأهلية أو ممن لديهم جمعيات أهلية الأمر الذي تسبب في تسييس قطاع واسع من العمل الأهلي الخيري التطوعي. وهذا الأمر قد تكون له تداعيات سلبية على قطاع كبير من المواطنين الذين يستعينون بتلك الجمعيات في سد احتياجاتهم بدون أن يكون لهم بالضرورة اهتمام بالعمل السياسي أو توجهات سياسية.
على الجانب الاخر نلحظ نفس الظاهرة في النقابات العمالية والمهنية. فمن المعروف أن الهدف من النقابة هو الارتقاء بأوضاع أصحاب المهنة الواحدة وتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية والفنية لهم. لذلك لابد وأن تنأى النقابات بنفسها بعيداً عن العمل السياسي حتي تتمكن من أداء أدوارها على نحو أمثل. وهذا لا ينفي أن يكون عضو النقابة عضواً في حزب سياسي، ولكن لابد من منع تعارض مصالح الفرد السياسية والنقابية حتى نضمن للنقابات استقلاليتها التي تمكنها من التركيز في أعمالها من جانب، وأيضا ًنحول دون تسييس منظمات المجتمع المدني – على الأقل المنظمات غير الحقوقية – حتي نتجنب اقصاء عدد كبير من أعضائها لصالح توجه سياسي بعينه.
وهو ما حرصت عليه القوانين واللوائح المنظمة لعمل الجمعيات الأهلية والنقابات المتنوعة.