جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
د. غادة موسى
في إطار الاستعداد لقمة المستقبل لابد من طرح سؤال جوهري وهو من سيحدد ما سيكون عليه هذا المستقبل؟ بعبارة أخرى ” من هم صناع المستقبل؟ هل سيكونون هم نفس من صنعوا المستقبل في مطلع القرن العشرين أم سيتيحون مقاعد لفاعلين آخرين من خارجهم وأقصد هنا دول العالم الثالث أو النامي؟
كما تطرح ظروف انعقاد القمة تساؤلاً آخر متعلق بالقواعد والقوانين التي ستسير عليها المجتمعات والدول في المستقبل؟ هل هي نفس القواعد والقوانين التي حكمت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأثبتت عدم ملاءمتها- بل فشلها – للمرحلة الحالية أو للمستقبل؟
وحتى نتمكن من الإجابة على التساؤلات السابقة لابد من تحديد المستقبل الذي ستعقد القمة من أجله.. هل هو المستقبل الحسي أم المستقبل المادي الرقمي؟
إن مفهوم المستقبل والخلود موضوعان رئيسيان في الفلسفة، والدين، والعلم. وكل مجتمع أو دولة مهتمة برسم مستقبلها فهي مهتمة بالحفاظ على بقائها. فالمستقبل ليس فقط أن نحلم ونعبر عن رغباتنا وأمنياتنا، ولكنه بالأساس أن نفكر فيما ينتظرنا. فالمستقبل هو الزمن القادم بعيد المدى، الذي يتّسم بأنّه غير معروفٍ ولا معلومٍ بالنسبة للإنسان، وأنّه قد يحمل من الأحداث الإيجابية أو السلبية ما يصعب التنبؤ به.
ورغم ما سبق، فقد مكننا التقدم العلمي من التنبؤ واستشراف بعض ملامح المستقبل من جهة، كما أن التواتر التاريخي علمنا أن هناك ظواهر اجتماعية واقتصادية وسياسية قابلة للتكرار بفعل حركة الزمن.
ومن بين الظواهر المتكررة أفول قوى عظمى وظهور قوى أخرى محلها، وتغير طبيعة وشكل الحروب من مواجهات بين البشر والجيوش إلى مواجهات بين الآلات وباستخدام ما يتم تطويره في المعامل من أجل ردع وتهديد المجتمعات والدول مثلما حدث بالنسبة لجائحة كورونا والتلاعب بالمناخ وبالمقومات الطبيعية. كما أنه من بين الظواهر المتكررة أيضاً المواجهات الفكرية بين دوري الدين والعلم في حياة الأفراد. وهي مواجهات عرفتها البشرية منذ العصور الوسطى في أوروبا الغربية. كما قد تلعب الأفكار المتطرفة دوراً في تفكيك ورفض التنظيمات المجتمعية مثلما فعلت الأناركية من رفضها لكل أشكال السلطة.
وعليه، أخشى أن تتجنب قمة المستقبل تلك الظواهر التي تهدد المجتمعات البشرية وتنصرف إلى الحديث عن مظاهر المشكلات دون جوهرها، مثل الحديث عن الفقر دون الحديث عن المتسبب فيه أو الحديث عن الأوبئة دون ذكر رؤية بعض القوى بأنها السبيل الأمثل لإحداث التوازن بين الاحتياجات والموارد على كوكب الأرض! أو أن تخلط القمة بين الجاني والضحية في العديد من القضايا الدولية.
كل ما سبق يشير إلى أنه لا يجب أن نتعامل مع المستقبل بنفس الأدوات التي تعاملنا بها مع ما كان ينتظرنا في مطلع الألفية الثالثة.
في الجزء الثالث سوف نتناول الدور الذي يمكن أن تعلبه دول العالم النامي في هذه القمة وما بعدها.