جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تقع دول العالم النامي أو ما يطلق عليها سياسياً “دول العالم الثالث” على مسطرة زمنية بين الماضي والمستقبل. فَقَدر هذه الدول أن تعيش وتتكيف مع حاضرها دون السماح لها باستدعاء الماضي الذي يذكرها بنهضتها وحضاراتها وقوتها، كما أنه ليس مسموحاً لها أن تكون جزءاً من المستقبل بمكوناته الرئيسية من تقدم فكري ومعرفي وتقني.
وقد تبدو تلك النظرة تشاؤمية، ولكنها في الواقع نظرة حقيقية لها مؤشراتها التي تؤكدها. وأبرز تلك المؤشرات أن دول العالم النامي مازالت تقبع في الصراعات الداخلية والحروب الأهلية والنزاعات الحدودية والاقتتال حول الموارد. فكيف لهذه الدول أن تفكر في المستقبل وهي عاجزة عن تسوية وحل مشكلات الحاضر!
كما يوجد مؤشر آخر يؤيد ذلك الرأي وهو استنزاف العقول المستمر في تلك الدول. فيكفي النظر إلى عدد العلماء والأطباء والباحثين النابغين والنابهين الذين ينتقلون للعمل في الدول المتقدمة لصناعة مستقبل تلك الدول وليس لصناعة مستقبل دولهم الأصلية.
وإزاء هذه الظروف التي تثبتها العديد من المؤشرات قد لا يُكتب لدول العالم النامي أن ترى المستقبل إن استمرت في حالة المعاناة من واقع الحاضر الأليم، حيث لابد لها من البحث عن مخرج أو منفذ يجعلها تشارك في صناعة المستقبل الذي بلا شك سينعكس عليها إيجاباً أو سلباً.
وبالتفكير في الدور الذي يمكن أن تلعبه دول العالم النامي في الولوج نحو المستقبل والمشاركة في صناعته لابد من نقطة بداية تتحدد في طرق ووسائل التخلص من المعوقات التي تكبلها. وأولى تلك المعوقات هي حالة التراجع والتخلف والردة عن المعرفة والعلم والتقدم. فالاهتمام بالعلم هو الطريق المضمون لتنضم تلك الدول إلى ركب صناع المستقبل العالمي والكوني. أما ثاني تلك المعوقات فهو تحقيق قدر من الاستقرار المجتمعي والسياسي والذي لن يتأتى إلا بحل معضلات ومشكلات المشاركة في كافة شئون تسيير حياة تلك الدول وفي التوزيع العادل لثرواتها الغنية والمتعددة ومنع تسربها للخارج. وفيما يتعلق بالمعوق الثالث فهو الديون، حيث ترزح كل دول العالم النامي بنسب متفاوتة تحت وطأة خدمة الديون (سداد الديون وفوائدها) الأمر الذي يعترض كل خططها التنموية. فمن الصعب تصور قدرة تلك الدول على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في ظل غياب التمويل اللازم للوفاء بالخطط التنموية. أما بالنسبة للمعوق الرابع والأخير فهو غياب وجود تلك الدول في قيادة المنظمات الدولية الكبرى المؤثرة مثل مجلس الأمن ومنظمة التجارة الدولية على سبيل المثال وليس الحصر.
وبدراسة تلك المعوقات نجد أنه من الصعب إنكارها من جهة وعدم إلقاء اللوم على الدول المتقدمة فيما آلت إليه أوضاع دول العالم الثالث من جهة أخرى. ففي الوقت الذي تتبارى فيه تلك الدول في الحديث عن التنمية والاستقرار كان من المنتظر أن تطرح مبادرات تثبت حرصها على خروج دول العالم النامي من دائرة الفقر والتخلف، وكان لابد أن يأتي إعفاء تلك الدول من جزء أو كل مديونياتها بتدرج كخطوة جادة من أجل بناء مستقبل عالمي يكون فيه لدول العالم النامي دوراً ومكانةً.