جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
د. غادة موسى
نستكمل في هذا الجزء مشروع رفاعه الطهطاوي الفكري من أجل الإصلاح ومن ثم تحقيق الاستقرار والسلم.
لم يكن المشروع الفكري لرفاعة الطهطاوي أن يكتمل بدون خصائص فكرية تمتع بها مثل الانفتاح على التجارب والمشاريع الفكرية الأخرى، بالإضافة إلى انتاج أفكار خلاقة ومهمة تتجاوز مسألة الخصوصية الثقافية ولا تنغلق داخل أسوار الهوية العرقية والاثنية واللغوية. وهو الأمر الذي جعل من مشروعه الفكري شأناً عاماً وملكاً للجميع. خاصة وأنه يعبر عن انخراط المفكر في مشكلات فكرية متصلة بالعقل أو الذات البشرية أو السلطة.
لقد حاول رفاعه الطهطاوي في مشروعه الفكري معالجة مسببات تخلف الانسان العربي، باعتبارها أهم مشكلات المجتمع العربي. فقد رأي الطهطاوي أن الانسان العربي يقع تحت تهديد تغليب إرادة الهوية على إرادة المعرفة، وعلى استحواذ منطق التقاليد والأعراف علي منطق التفكير النقدي الحر. وكما سبقت الإشارة، حاول الطهطاوي التعبير عن الحرية كفكر في إطار قالب فقهي بهدف بناء تنظيمات سياسية تحول دون وقوع الاستبداد وتحقق الاستقرار. فقد تجلت الحرية للطهطاوي كمحور نهوض الغرب الاجتماعي والسياسي وسبب تقدم الغرب الاقتصادي.
لقد كان للحرية حضوراً بارزاً في مؤلف الطهطاوي” تخليص الابريز”، حيث حاول أن يحدث انسجاماً بين مفهوم الحرية في الغرب ومعاني الحرية الفقهية. فمعنى الحرية موجود في اللغة العربية كمعني خلقي، فالحر يعني الكريم كان في الأدب الجاهلي. والمعنى الثاني هو معنى قانوني كما في القول ” تحرير رقبة”. أما بالنسبة للمعنى الاجتماعي للحر فهو الشخص المعفي من الضريبة. والمعنى الرابع للحرية هو معنى صوفي مرتبط بأهل الحقيقة المتحررون من رق الكائنات.
فالمرجعية الفقهية تشير إلى كيفية تعامل الانسان مع الانسان والأخلاق، وقد رأى الطهطاوي أن الحرية كمعنى وظيفي يحقق هذا الهدف. فهناك تطابق بين الحرية والعقل والشرع. والحرية هي مدى قدرة الفرد على تحقيق العقل في حياته.
لقد تلقى الطهطاوي مفهومه عن الحرية من خلال تعرفه على الليبرالية الغربية وممارساتها في فرنسا. لقد أشار الطهطاوي إلى أن الحرية هي “رخصة العمل المباح من دون مانع غير مباح ولا محظور معارض”. وتنقسم الحرية عن الطهطاوي إلى خمس مراتب: حرية طبيعية، وحرية سلوكية، وحرية دينية ، وحرية سياسية وحرية مدنية. وتعكس هذه المراتب وقوف الطهطاوي في مكان وسط بين تكوينه الفقهي وتأثره بالأفكار الليبرالية الغربية.