04:37 م
الجمعة 09 يونيو 2023
كتب – محمود مصطفى أبوطالب:
أكد الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن الإسلام دين عالمي سمح يدعو إلى القيم الراقية الحميدة ويهدي إلى أحسن الخصال وإلى مكارم الأخلاق، ومن أهم هذه القيم قيمة السلام، فهو دين السلام، قال الله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، وأيضًا قيمة التعايش بين الناس أجمعين، قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8].
وأضاف أن القيمة العظمى في الإسلام هي قيمة الرحمة العامة الشاملة لجميع الأكوان من إنسان وحيوان ونبات ومسلم وغير مسلم فالإسلام دين الرحمة العامة، وهو دين يدعو إلى أن تسود قيم السلام والتعاون والتعايش بين جميع أبناء البشرية من أجل مد يد العون والمساعدة لمن يحتاج إليها من الضعفاء والعجزة والمنكوبين.
جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها مفتي الجمهورية في مسجد “بيراقلي” في وسط العاصمة بلجراد، والذي يعد أكبر وأقدم مساجد بلجراد.
وأوضح المفتي أن دين الإسلام يدعو إلى أن تكون فضيلة التراحم عامة بين الناس أجمعين وليست بين المؤمنين به فقط، ولهذا لخَّص القرآن الكريم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في كلمة واحدة وهي الرحمة العامة للعالمين، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وقال مفتي الجمهورية: “على كل مَن يدَّعي أنه على دين سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يجد في قلبه ونفسه رحمة ورأفة بالناس جميعًا بل يجد في قلبه الكراهية والقسوة والميل إلى العدوان أو إلى الصدام فليراجع صدق قلبه وسلامة إيمانه في اتباعه لرسالة الإسلام الرحيمة الخالدة، وليسأل نفسه بصدق هل هو متبع لِهَدْي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو متَّبع لهواه.
وأكَّد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله مثل سائر الأنبياء والمرسلين كان يدعو الناس جميعًا للإسلام ولإفراد الله وحده لا شريك له بالعبادة، ويدعو الناس إلى عبادة إله واحد منزَّه عن الشريك وعن النقص في الذات أو في الصفات، لكنه مع ذلك لم يكن ليدعو الناس إلى الدخول في دين الله تعالى بقوة غير قوة الحب وسلطان الإقناع وقوة الدليل ونصاعة البرهان.
وأضاف أنه صلى الله عليه وسلم يعلم يقينًا أن أضعف أسباب الإيمان هو القهر والغلبة وأوهن أدلته هي السيف فالإيمان والعقائد والأديان أسمى وأرفع من أن تفرض بالقوة والسيف، وقاعدة التخيير الذهبية في الدعوة إلى الإسلام في قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وفي قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
وأوضح مفتي الجمهورية أن هذا المبدأ القرآني الخالص قد ترتب عليه أن الإسلام يسلِّم بوجود التعددية في العقائد والأفكار، كما أن هناك تعددية في الأعراق والأجناس، وأن مردَّ ذلك التعدد كله إلى الله تعالى، يفصل بيننا يوم القيامة، قال الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119].
وأشار إلى أن التعدد سنة كونية وإرادة إلهية، وكل إرادة لله تعالى له فيها حكمة وغاية، ولقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحكمة، وعندما استقرَّ له الأمر في المدينة المنورة وكانت الغلبة له لم يقهر أصحاب الأديان الأخرى على الدخول في الإسلام، بل وضع ميثاق المدينة المنورة، في وثيقة شاهدة للإسلام إلى يوم القيامة أنه دين يؤمن بالعدل والمساواة والتعايش والتعاون، وكلها قيم كريمة أصيلة منبثقة من المبدأ الأسمى في الإسلام؛ ألا وهو مبدأ الرحمة.
وتابع المفتي: “إن المتأمل في حركة التاريخ منذ بعثة سيدنا محمد إلى يومنا هذا يجد أن الإسلام كان دينًا إيجابيًّا فعالًا في كافة الأنشطة العمرانية والعلمية في هذه الحياة، فعلماء الإسلام شاركوا بإسهامات عظيمة في استكمال مسيرة الجهود العلمية في الحضارات السالفة، كالحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية والحضارة الرومانية والحضارة الصينية وغيرها؛ إيمانًا منهم بأن الحضارة في النهاية منتج إنساني يعود بالخير والنفع على أبناء النوع الإنساني جميعه”.
وأضاف أن التجربة الإنسانية مبنية على التراكم المعرفي الذي تشترك في تكوينه النماذج المعرفية المتعددة للحضارات المتنوعة، وقد وهب الله تعالى مفاتيح وأسرار العلوم المنبثة في الكون إلى بني الإنسان جميعًا بالعدل دون حرمان بناءً على نظرهم العقلي وجهودهم التجريبية، قال الله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20]، ومن هذا المنظور الحضاري القرآني انطلق علماء المسلمين كالخوارزمي وابن النفيس والفارابي وابن سينا وجابر بن حيان وغيرهم لكي ينشروا علومًا لا زالت البشرية تنتفع بآثارها وآثار غيرها من تجارب الحضارات الأخرى حتى يومنا هذا.
وشدد مفتي الجمهورية في خطبته على أن رسالة الإسلام رسالة عالمية واضحة جلية، غايتها توحيد الله تعالى وإعمار الأرض بالخير والسلام، وحمل الخير والمحبة والسلام إلى الناس أجمعين مهما كان دينهم أو لونهم أو جنسهم.
وأضاف أن رسالة الإسلام الحنيف كانت -ولا زالت وسوف تظل إلى يوم القيامة- رحمة للعالمين؛ لأن الرحمة والإسلام هما وجهان لعملة واحدة، وعلينا أن نعلم أن ينابيع الإسلام وأصوله ومصادره الأصيلة ليس فيها أية دعوة لممارسة العنف أو الصدام مع الآخرين، اللهم إلا دفاعًا عن النفس في حالة الاعتداء، وهذا قبل أن يكون مبدأً إسلاميًّا قرآنيًّا، إلا أنه أيضًا مبدأ إنساني متَّفق عليه عبر القرون.
ووجَّه خطابه إلى المسلمين في صربيا قائلًا: “ليكن كلٌّ منكم صورة مشرفة للإسلام، ومثالًا تتجسَّد فيه أخلاق الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].
وأضاف في ختام خطبته أنه على كل مَن يتَّبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون حريصًا على أن تتجلى فيه أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن ينشر بالفعل قبل القول قيم الرحمة والسلام والتعاون، وأن يكون مشاركًا لحركة العمران البشري الذي يسعى لتحقيق قيم الخير والسلام.