03:46 م
الإثنين 20 نوفمبر 2023
كتب – محمود مصطفى أبوطالب:
أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن التحديات خلال السنوات الماضية حفزت العقل الفقهي نتيجة للتحاور خاصة وأن الحوار يساعدنا على فهم كافة الأشياء.
وأضاف أن فقه المقاصد الوطنية يعني فهم الأهداف الوطنية وهو من حب الوطن الذي يعد فكرة إنسانية، موضحًا أنه يمكن تلخيص المقاصد الوطنية من خلال عدة نقاط منها معرفة قدر الوطن الذي نعيش فيه، مشيرًا إلى أن النصوص الشرعية التي ذكرت مصر جمعها الإمام السيوطي في مؤلف بعنوان “حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة”، كما أشار إلى أن مصر ذكرت في القرآن ٣٥ مرة وهو ما يدل على أن مصر لها مكانة خاصة؛ لذا كانت محفوفة بالوعد الإلهي بالحفظ، فمصر كلما مرت بالتحديات تخطتها وكانت صخرة أمام المعتدين على مر التاريخ.
وأضاف خلال المحاضرة التي ألقاها في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة “المستقبل” حول “فقه المقاصد الوطنية .. طوفان الأقصى” بحضور رئيس الجامعة الدكتور عبادة سرحان والدكتورة سلوى ثابت عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وتقديم الإعلامي حمدي رزق، أن النبي احتفى بمصر وقال: إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال: لأنهم في رباط إلى يوم القيامة. وكان عمرو بن العاص يلقي خطبة كل عام في مصر ويذكر فيها هذا الحديث، مؤكدًا أن هذا الحديث غير مقيد بزمن، ويوضح أن الإنسان حتى وإن تعرض لهزيمة في مرة من المرات فإنه يتعلم منها درسًا وينهض من جديد.
وتابع المفتي: لما ثارت هذه المحنة في فلسطين فقد تحملها مع الفلسطينيين الشعب المصري دون ضجر ولا ملل، ذلك لأن مصير هذه القضية مربوط بقوة مصر، ولهذا وقفت الدولة المصرية من أول يوم حاملة القضية الفلسطينية على كتفها ولا يمكن أن يوجد حل إلا عن طريق مصر.
وأضاف: لا ننسى رسالتين مهمتين قالهما الرئيس السيسي وأكدنا عليهما في المؤتمر العالمي الثامن للإفتاء أمام مشهد من علماء ووزراء ومفتين من مائة دولة أجمعوا كلهم أنه لا تهجير للفلسطينيين من أراضيهم، وأننا ضد انتهاكات الكيان الإسرائيلي المحتل تجاه أهالي غزة وخرقه القانون الدولي.
وأشار إلى أنه كان هناك دعم لقرارات الدولة المصرية، حيث طالبت دار الإفتاء المصرية العقلاء في العالم كله أن يتحملوا مسؤوليتهم من منظمات دولية وأممية.
وأشار المفتي إلى أن جامعة الأزهر هي أقدم جامعة خرجت آلاف الطلاب على مدار تاريخها العريق، ووجودها في مصر أعطاها طابعًا خاصًّا ومكانة كبيرة فالطلبة الذين تعلموا في الأزهر من أكثر من ١٢٠ دولة لهم سمات خاصة ومكانة علمية كبيرة.
ووجَّه المفتي رسائل إلى الطلاب بأن يترجموا كافة ما يتعلمونه إلى عمل نافع، مشدد على أهمية التركيز على البناء الأخلاقي وهو ما يعبر عنه في القرآن بالقلب السليم، وليس تدينًا شكليًّا ولكن يجب أن ينعكس على صلاح القلب، وكذلك العقل السليم من خلال العلم فالأمم لا تتقدم إلا بالعلم الذي يمثل وعيًا حقيقيًّا بالقضايا لذا كانت أول ايه نزلت اقرأ. موضحًا أن البحث العلمي لا يحده حد إلا الجانب الأخلاقي، في كافة المجالات فلا فرق بين من درس العلوم الشرعية والعلوم الدينية فجميعنا شركاء في عمارة الكون.
وأكد المفتي أهمية فهم التدين المصري الذي يعد سمة خاصة بالمصريين لأنه تدين حقيقي وصل للأعماق وانعكس على استقرار المجتمع، فلا يوجد متدين حقيقي يسعى لتدمير المجتمع كما أن المتدين الصحيح يدرك جيدًا أن التعددية الموجودة في المجتمع هي سنة الله في خلقه، دون تفرقة بين أبناء المجتمع.
وأشار المفتي إلى أن دار الإفتاء رصدت ثلاثة مستويات في التعددية في مصر على المستوى المجتمعي والمستوى الإفتائي، والمستوى التشريعي من خلال الدساتير المصرية منذ دستور ٢٣ ثم ترجمت بقوانين حديثة صدرت في عهد الرئيس السيسي.
وقال إنه علينا إدارة الخلاف واستثماره ليكون دافعًا لنا في العمل وهو ما يحتاج إلى عقل من نوع آخر، كما أكد أن المجموعات المتطرفة حرفت فهم النصوص الدينية ونصبت نفسها محل الدولة، وأعلنت الحروب أو ما سمته الجهاد وهو أمر من اختصاص الدولة ومؤسساتها.
ولفت المفتي إلى أن دور الفرد في المجتمع هو أن ينظر للتحديات التي يواجهها المجتمع، وأن يواجهها بوعي وتثبت خاصة من المعلومات التي قد ترد إلينا من خلال الوسائل المختلفة، ومن ثم علينا أن نلجأ إلى أهل الاختصاص لأنه يمكن من كلمة واحدة أن يتأزم موقف دولة.
وتحدث المفتي عن استفادة دار الإفتاء من وسائل التكنولوجيا الحديثة والتواصل الاجتماعي، موضحًا أن صفحات الدار رائدة ويتابعها أكثر من ١٣ مليون متابع لتكون بذلك أول مؤسسة دينية على مستوى العالم في عدد المتابعين، مؤكدًا استجابة الدار لتعليقات القراء ونقدهم البناء، كما أشار إلى أن دار الإفتاء تتفاعل مع القضايا الحديثة وهدفها أن تكون الفتوى حافظة لاستقرار المجتمع، مؤكدًا تفاعل دار الإفتاء المصرية مع القضية الفلسطينية والأحداث في غزة منذ البداية من خلال عدة وسائل وعرض القضية من عدة جوانب.
في إطار آخر تحدث المفتي عن تجديد الخطاب الديني، موضحًا أنه عملية ضرورية مع مراعاة الثابت الديني والمتغير، وأشار إلى أن دار الإفتاء المصرية لا زالت تتبنى عددًا من المشروعات الواعدة التي تحقق المزيد في مسيرة تجديد الخطاب الديني وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
وأضاف أن الجامعات المتطرفة استحضرت فتاوى تاريخية صدرت في سياقات معينة من بطون الكتب وسحبتها من سياقها إلى القرن الواحد والعشرين ومن ثم قاموا بالكثير من الجرائم باسم الدين.
كما شدد على أهمية دور الشباب في دعم القضية الفلسطينية، وأن عليهم أن يجتهدوا في تحصيل العلم ليكون الأساس الذي سينطلقون منه لأنهم في يوم من الأيام سيتحملون المسؤولية، وليس معنى ذلك أن ينفصلوا عن الواقع ولا يتفاعلوا معه بل عليهم تقديم الدعم المعنوي والمادي قدر استطاعتهم للقضية من خلال القنوات الرسمية للدولة.
وفي نهاية اللقاء عبر الدكتور عبادة سرحان -رئيس جامعة المستقبل-، عن سعادته بزيارة المفتي للجامعة، مؤكدًا أن المفتي قامة دينية ووطنية ووجوده في الجامعة فرصة عظيمة يستفيد منها الطلاب خاصة في ظل ما يمر به العالم من أحداث وتحديات، مؤكدًا أن دار الإفتاء من المؤسسات الدينية المصرية ذات الثقل والمصداقية لدى المصريين جميعًا والعالم أجمع.
ومن جانبه قال الكاتب الصحفي والإعلامي حمدي رزق، إن مفتي الجمهورية يعد رائدًا لفقه المقاصد الوطنية واجتهاداته الفقهية جميعها تصب في هذا الاتجاه الوطني، مشيرًا إلى أن الجماعات المتطرفة حاولت منازعة الدولة، وهو ما واجهه المفتي بقوة وصحح الكثير من المفاهيم التي شوهتها هذه الجماعات.