جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تعرض النظام العالمي ومفهوم الدولة الوطنية للعديد من التحديات والمخاطر بفعل التطورات التقنية المتسارعة المتمثلة في الضغوط التي تضعها منتجات الثورة الصناعية الرابعة من إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية التي تتعدى حدود الدولة الوطنية. هذا فضلاً عما تمثله التطورات التقنية العسكرية من تحد ٍ لسيادة الدولة الوطنية ومن ثم تحدٍ للنظام القانوني الدولي.
وفي الواقع فإن التحديات السابقة تضعنا أمام احتمال اضطرار المجتمع الدولي إلى التفكير في كيفية التعامل مع حقيقة “الدولة العالمية الافتراضية” التي تخضع لقواعد ولإجراءات عابرة للحدود وللقارات والتي تقررها وتضعها الشركات التي تنتج المنتجات الرقمية المدنية والعسكرية. بل أن هذا الواقع يضعنا أمام تساؤل جوهري حول ما إذا كان الهدف من تلك التطورات هو إضعاف الدولة الوطنية ووضع البشرية أمام شكل آخر من التنظيم العالمي الخاضع لسلطة نظام أحادي رقمي افتراضي غير مرئي ولا يمكن مهاجمته أو الاعتراض عليه؟
وتجدر الإشارة إلى أن النقاش حول نظرية للنظام العالمي سبق جميع هذه التطورات التقنية والرقمية عندما طرح عالم الاجتماع ” ايمانويل فالرشتاين” نظرية ” النظام العالمي” باعتباره نظاما اجتماعيا ً كلياً وشاملاً يرتكز على النظام الرأسمالي. وبالتالي هو لم يعتبر النظام الرأسمالي نظاماً اقتصادياً وإنما هو نظام اجتماعي. كما ترتكز هذه النظرية على الاعتماد السياسي والاقتصادي المتبادل بين أعضائه. كما تهتم نظرية النظام العالمي بالتطور التاريخي والثقافي للنظام الرأسمالي ودور الدول المتقدمة المركزية في هذا التطور.
وفي رأيي مثلت تلك النظرية بداية التفكير في نظام عالمي جديد تكون فيه الدول خاضعة بشكل أو بآخر لمنظومة واحدة افتراضية أو يكون كل النظام افتراضيا يتكون من مستخدمين وليس أعضاء. ويتيح هذا النظام لمستخدميه تجربة أنماط حياة جديدة بحرية ودون قيود، بالإضافة إلى توفير منصات تعليمية ممتعة وتتغلب بتقنياتها وتنوعها على البيئات التعليمية في الدولة الوطنية. كما يوفر هذا النظام العالمي الافتراضي فرص التواصل الاجتماعي وتكوين صداقات والتعرف على ثقافات الآخرين بل زيارتها بدون مغادرة حدود الدولة الوطنية. كما يمكن النظام العالمي الافتراضي من إنشاء اقتصادات افتراضية ومراكز مالية افتراضية وأسواق عالمية افتراضية تمكن المستخدمين من شراء وبيع سلع وخدمات.
وتعتبر الألعاب بداية إنشاء تلك الدول والنظم العالمية الافتراضية مثل لعبة ” ماين كرافت” التي تستخدم لبناء عوالم افتراضية ومنظمومة ” ميتافيرس” وهو مشروع طموح من شركة “ميتا” لبناء عالم افتراضي متكامل يمكن المتسوقين من العمل والتسوق والتواصل الاجتماعي بعيدا عن قيود وإجراءات الدولة الوطنية.
ورغم كل ما سبق لا يبدو الأمر ورديا ً، حيث قد يؤدي النظام العالمي الافتراضي الذي لا يخضع لقواعد وإجراءات رقابية صارمة إلى الإدمان وإهمال الحياة الطبيعية وإلى انتهاك خصوصية المستخدمين وارتكاب جرائم الاحتيال والسرقة.
كل هذه التداعيات تضع أمام الدولة الوطنية تحديات لا تتعلق فقط بحماية وجودها الطبيعي وتطويره بل مواجهة ما أسفر عنه النظام العالمي الافتراضي!