جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
سليمان جودة
قرأت أن رئيس الاستخبارات في حكومة الغرب في ليبيا، التقى مع رئيس حكومة الشرق، وأن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها لقاء بين الحكومتين.
وليس سراً أن حكومة الغرب يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وأنها تسمي نفسها حكومة الوحدة الوطنية، وأن حكومة الشرق يرأسها أسامة حماد، وتسمي نفسها حكومة الاستقرار !
وكما نرى ونتابع، فهذه مجرد مسميات لا أثر لها ولا فعل على الأرض، لأن ليبيا تبحث عن الوحدة الوطنية التي تتحدث عنها حكومة الدبيبة فلا تجدها، وإلا، فلو كانت قد وجدتها ولو كان الاسم على مسمى، ما كانت في البلاد حكومتان تتنازعان الحكم والسلطة.. وكذلك الأمر مع حكومة الاستقرار، التي ترفع شعار الاستقرار في بلد لا استقرار فيه.
وفي كل مرة يقال إن الحكومتين ستتوحدان في حكومة واحدة، وأن ذلك سوف يكون طريقاً الى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، نكتشف أن ما يقال بهذا الشأن مجرد كلام، وأنه سراب لا يكاد الشخص يصل إليه حتى يجده لا شيء!
ولا تفسير لبقاء ليبيا على هذه الحال، إلا أن الذين يتنازعون السلطة والحكم مستفيدون من بقاء الوضع على ما هو عليه، وأن اجراء انتخابات سوف يحرمهم من الاستفادة الحالية، وأنهم لذلك يقاومون ويقفون في طريق أي تغيير.. ثم إن لنا أن نتخيل حجم الاستفادة إذا تذكرنا أن ليبيا بلد نفطي، وأنه ممتلئ بالنفط والغاز، وأن دخله من ورائهما ضخم وكبير.
وإذا كان هذا الوضع هو حال ليبيا منذ رحيل القذافي في ٢٠١١، فإن لنا أن نتصور حجم ما تم اهداره من ثروات هذا البلد الغني.
وقد كنا نتصور أن ليبيا ستظل حالة فريدة من نوعها فيما تعانيه، فإذا بنا مثاليون ومتفائلون بأكثر من اللازم، وإذا باليمن السعيد يلحق بها، وإذا به هو الآخر تتنازعه الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، والحكومة الشرعية في عدن في الجنوب!
تتنازعان الحكم والسلطة منذ ٢٠١٤، رغم أن الحكومة القائمة هي الحكومة الشرعية، ورغم أنها الحكومة المعترف بها من شتى دول العالم، ومع ذلك، فحال البلاد هنا لا يختلف عن حال ليبيا هناك، لأن الانقسام واحد، ولأن معاناة أبناء البلدين من بسطاء الناس قاسم مشترك أعظم، ولأن هذا الانقسام سرعان ما صار وكأنه عدوى انتقلت من البلدين الى السودان !
فمنذ الخامس عشر من أبريل تدور الحرب في السودان، وتقاتل قوات الدعم السريع قوات الجيش الوطني للبلاد، ورغم أن الحرب تكاد تدخل عامها الثاني ، إلا أنه لا أمل يبدو من بعيد أو من قريب ليبشر بإمكانية وقف الحرب .
وقد توزع السودانيون الطيبون من آحاد المواطنين بين نازح من قريته أو مدينته الى مكان آخر يظنه أكثر أماناً داخل البلد ، وبين لاجئ في بلد مجاور ، وبين جائع في انتظار المساعدات التي يمكن أن تأتيه من المنظمات المعنية !
يحدث هذا في بلد غني بالماء ، وبالأرض الزراعية الخصبة ، وبالذهب في باطن أرضه ، وبأبنائه الذين يمثلون ثروة بشرية كبيرة ، وكأن هذا كله قد انقلب الى لعنة حلت على الناس في أنحاء البلاد ، فصاروا في وضع مأساوي لم يكن يخطر لهم على بال .
ما أتعس حظ الأشقاء في الدول الثلاث ، وما أتعس اليمن السعيد بالذات ، لأنه كلما تأمل حاله اكتشف أنه أبعد ما يكون عن السعادة التي اقترن اسمه بها واقترنت هي به ، ولكن هذا كان في زمن مضى وانقضى . . ما أتعسهم وقد حل بهم ما يشبه اللعنة .. ما أتعسهم وقد تحولت الثروة في بلدهم من نعمة إلى نقمة .. ما أتعسهم مع اختلاف شكل الثروة ومعناها من بلد إلى بلد على امتداد البلاد الثلاثة !