11:36 ص
الأربعاء 13 سبتمبر 2023
الرباط – (بي بي سي)
بأياديهم العارية يزيل منقذون الركام، يساعدهم متطوعون ورجال من القرية. ورغم أنهم يعلمون يقينا أن جثث ثلاثة أشخاص من نفس العائلة لا تزال عالقة هناك لكنهم الذين يصرون على عدم توقف أعمال إزالة الردم.
في قرية دوار تاركة -على بعد نحو ٩٠ كلم من مدينة مراكش- تلفح رائحة الموت الزائر كما تلفحه الريح المحملة بالغبار. بين أزقة كلها مهدمة يمر المرء فوق سطح منزل، عبر ما كان غرفة نوم، بين حيطان مطبخ، كل شيء تحوّل ردما وحطاما.
زرنا القرية في أول يوم فُتحت الطرقات إليها.
“أنقذنا خمسة عشر شخصا”
يقول حسن الذي يتكأ على عكازات وهو يتنقل بين كومة ردم وأخرى: “أنا وأربعة شباب آخرون نجونا بأعجوبة أنقذنا بأيدينا نحو خمسة عشر شخصا بعد وقوع الزلزال. بعد وقوع الزلزال، انتقلنا من منزل إلى آخر ننادي على أهل المنزل بالاسم. تجاهلنا المنازل التي لم تخرج منها أصوات. انتقلنا من دار إلى آخر وتمكنّا من إنقاذ عدد من الناس”.
يشير حسن إلى خزانة ثياب من خشب ويقول: “عثرنا تحتها على ثلاثة أشخاص، جدّ ووالد وصبي بالثانية من عمره. كانت طبعا مدفونة تحت الانقاض. انتشلنا الطفل حيا، والجد نجا رغم أن التراب كان يطمره حتى أنفه، أما الوالد فوجدناه ميتا، سقط عليه عامود خشبي أصابه في الرأس”.
نحو خمس مئة شخص كانوا يسكنون دوار تاركة، جميعهم تشردّوا. عدد كبير منهم يفترشون الطريق العام حاليا. قُتل عشرون شخصا من البلدة في الزلزال.
الوحيدون الذين خرجوا أحياء من تحت الركام هم هؤلاء الذين أنقذهم شباب البلدة.
على مدى ثلاثة أيام توافدت فرق إغاثة تعمل على انتشال الجثث.
“ثم جاء فريق إسباني مع كلاب مدرّبة ولكنهم لم ينتشلوا أحدا”، يقول مرزوق محمد الذي تطوّع في أعمال الإغاثة مع الجيش الملكي وعمال من شركة التنقيب عن الفوسفات.
يقول شاب من المنطقة: “الكلاب الذين أحضرهم الإسبان مدربّة على إيجاد أحياء عالقين تحت الركام، لا على الجثث”.
ساعد مرزوق محمد خلال ثلاثة أيام في انتشال ثلاث جثث، ويضيف: “واحدة كانت لفتاة انتشلناها البارحة من ذاك المنزل. كانت جثتها منتفخة. انتشلناها من هذا المنزل هناك”.
هو فعليا كان يدلني على مكان محدد على يساره، ويقصد منزلا محددا ولكن كل ما أراه ركاما كله يشبه بعضه.
وأنا أسير بين الركام ينبّهني أحدهم إلى أني أسير فوق مزرعة ويعتذر لرائحة “الحيوانات الميتة”.
“عائلة واحدة”
في الخلفية، تستمر أعمال البحث عن الجثث الثلاثة. ألاحظ فجأة أن فريق الإنقاذ هو فوق تلة الركام الأعلى في القرية المهدمة. أسأل مجددا عن هوية المفقودين.
يؤكد لي السكان أنهم ثلاثة رجال وأنهم -بلا أي شك- تحت الركام، قائلين: “هذه القرية عائلة كبيرة ونحن نعرف بعضنا جميعا ونعرف من يسكن في كل منزل”.
“ناديتهم ولم يجيبوا”
ثم دلوني على اد عبدالله حسين. فقد زوجته وابنته وابنه في الزلزال.
ليل الجمعة كان في مراكش حيث يعمل. عندما وقع الزلزال، انطلق مباشرة على دراجته النارية. استغرق الطريق ست ساعات بسبب الانزلاقات الصخرية التي قطعت الطرقات.
يقول: “جئت مع ابني. كنا كلما واجهنا حاجزا صخريا، حملنا الدراجة وقطعنا فوق الصخور ثم أكلمنا على الدراجة حتى الحاجز الآخر”.
يضيف: “وصلت إلى هنا -سطح منزله- وبدأت أنادي: يا فاطمة! يا ملاك! يا أيمن!”
لم يجب أحد فبدأ بنبش الركام، حفر حفرة بيديه العاريتين، وساعده الشبان، وانتشل كلا من فاطمة وملاك وأيمن، كانوا جثثا.
استغرق الأمر اثني عشر ساعة من الحفر المتواصل.
قال وهو يجهش بالبكاء: “لا أجد ما أقول سوى الله يرحمهم، آمين، آمين، آمين”.
كان الهواء قد بدأ يشتد وخطر الانزلاقات يتضاعف. طلب منا رجال الإنقاذ المغادرة. عدنا من نفس الطريق الجبلية الوعرة والمهدمة التي جئنا منها، نتحايل على الحجارة التي تتدحرج الجبال والصخور المشققة.
ازدحام سيارات الاسعاف وشاحنات المساعدات والجرافات والسيارات إضافة إلى ضيق الطرقات، جعل رحلة الساعتين تستغرق خمس ساعات.
أما المشهد الدائم على طول الطريق فهو لوجوه ناس يتظللون تحت أشجار أو شوادر، يتجمعون على طرف الطريق يتأملون قراهم التي تحوّلت مع منازلهم إلى أثر بعد عين.
أسأل بعضهم وقد بدأت المساعدات تصل إليهم، عمّا يحتاجونه اليوم، يجيبون: “نريد منزلا قبل الشتاء”.