جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
منذ ما يقرب من تسعة شهور وفى إطار سعى إيلون ماسك لإعادة هيكلة منصة تويتر”X” وبعد فترة تخبط البدايات فى سياسات إدارتها بعد تملكها، فى ذلك التوقيت أعاد ضبط مؤشرات نموها وفى رحابة أعلن حينئذ مبديا سعادة غامرة ومعه ترحيب واضح برغبة شركة “ديزنى” فى أن تعلن عن أفلام الأطفال على منصته وكذلك قيام شركة “آبل” بالإعلان عن أجهزة “الآيفون”، واعتبر ذلك مؤشرا جديدا مهما فى نجاح سياسات تسويق المنصة ونمو إيراداتها التى تتأسس بشكل مهيمن على إيرادات الإعلانات وبما يشكل نحو 90% من إجمالى مواردها، وحيث بلغت عوائد الإعلانات ما يقرب من أربعة مليارات دولار عام 2022، فى حين أن الاشتراكات التى عمل على زيادتها لم تحقق ما كان يصبو إليه ولم تقدم عائدا مذكورا قياسا إلى موارد الإعلانات، هكذا مضى الأمر حينها.
لكن وتزامنا مع مراحل تطور حرب إسرائيل على غزة حدث أن أوقفت الشركتان إعلاناتهما على المنصة أواسط الشهر الماضى ومعهما عدد من الشركات الكبرى، بينما كان رد إيلون ماسك معاندا وحاسما وفيما معناه أن من يبتزنى – يقصد فرض سياسات إعلامية للمنصة- فليغادر بل وإن شئت الدقة نسبيا وحسب قوله مخففا ” فليذهب إلى الجحيم”، كان المعلن فى الموقف من قبل المعلنين أن بعض سياسات نشر المنصة تتيح مضمونا يدخل فى إطار معاداة السامية والترويج للنازية وأن ذلك اقترن على المنصة مع إعلانات لمنتجات هذه الشركات، وكان مع ذلك ربما بعدا ضمنيا لم يتم إعلانه هو سياسة النشر وانفتاح منصة “X” على تعددية للمحتوى فى أزمة غزة، رغم أنها لم تمثل قط انحيازا لطرف لكنها فى ذات الوقت لم تغلقها على مناصرى وداعمى أحد الأطراف دون آخر فى الأزمة، ومن ثم أظهرت ودعمت ضمنا وجزئيا بناء اتجاهات رأي عام أمريكية ودولية تنمو باضطراد خاصة فى أوساط الشباب الغربي تنادي بوقف الحرب نتيجة ما ارتبط بها من مشاهد تدمير شامل للبنى التحتية ومن أعداد متزايدة من القتلى والمصابين من المدنيين العزل فى غزة، بينما امتنعت المنصات الأخرى خاصة كلا من فيس بوك وتويتر عن تلك الإتاحات والتنوع فى النشر وراقبت المحتوى بصرامة إما موقفا من الأزمة أو رؤية اقتصادية أو جمعا لهما معا.
يعضد تلك الرؤية وأبعادها السياسية ما نشره نتائج استطلاع أجراه مركز “”Pew Research Center بتاريخ 15 نوفمبر الماضي عن أنه يحصل نصف البالغين في الولايات المتحدة الأمريكية على الأخبار من منصات التواصل الاجتماعي، بل أن التقرير ذاته تأكيدا على البعد السياسى لدور منصة “X” يقول أنها تتفوق على مختلف منصات التواصل الأخرى فى أن غالبية جمهورها 53% تحديدا يتفاعل معها بغرض الحصول على الأخبار، ولمعرفة دلالة الرقم وحدود تأثيره أمريكيا حيث تم إجراء الاستطلاع نجد أنه لا تزيد النسبة عن 16% فيما يخص منصة إنستجرام و14% لمنصة تيك توك ثم 3% لمنصة واتس آب، هكذا دشن الجمهور الأمريكى منصة X مصدرا للأخبار السياسية وهكذا يمكن جزئيا فهم كل ما يحيط بها من أزمات.
يمكن استكمال ذلك التفسير مع دخول الرئيس الأمريكى والبيت الأبيض إلى صف معاداة إيلون ماسك ومنصته وضوحا وإعلانا لا لبس فيه، فهل يعبر ذلك -خارج إطار الموقف الإشكالى الظاهر- عن انتقام من توجهاته ومنح المنصة إتاحات نشر مكثفة لرموز وممثلى الحزب الجمهورى المنافس وما تمنحه أيضا من إتاحات نشر للرئيس الأمريكى الأسبق ترامب تعليقا على قضاياه وعلى الحياة السياسية وإدارة الديمقراطيين، وأيضا ما يقوم به دونالد ترامب “جونيور” الإبن من التغريد شبه اليومي يوجه فيها الاتهامات بالتعسف والتضييق والملاحقة لإدارة بايدن، ثم هل يراهن ماسك رغم الخسائر الإعلانية المتزايدة للمنصة صبرا وانتظارا وتوقعا -رغم محاولاته تهدئة الموقف بزيارته إلى إسرائيل واستماعه الصامت إلى نتنياهو- لفوز الجمهوريين وعودة ترامب إلى البيت الأبيض؟، لتعود معه منصة “X” أقوى وأكثر تأثيرا وانتشارا وسعيا من كبار المعلنين خلفها، وحيث تكون مرة أخرى وفى عودة جديدة الناطق الرسمى بتصريحات ومواقف وتغريدات ترامب اليومية ومصدر أخبار للساسة والجمهور معا عبر مختلف أرجاء العالم، تعبيرا عن مواقف وسياسات واشنطن ورئيسها، لحظة بلحظة، ليلا ونهارا، وكما فعلها ويفضلها ترامب دوما على الهواء بثا مباشرا وحصريا لكنه هذه المرة عند إيلون ماسك وعلى منصته “X”.