جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تزامن حكم ريجان في الولايات المتحدة الأمريكية مع حكم مارجريت تاتشر في بريطانيا ، وكلاهما كان صاحب مدرسة في الأداء الإقتصادي اشتهر بها ، وصرنا من بعدهما نقرأ عن التاتشرية في بلاد الإنجليز ، وعن الريجانية في بلاد العم سام .
والإثنان ليسا موضوعنا في هذه السطور ، ولكن موضوعنا هو الرئيس التركي إردوغان الذي يمكن أن يقال عنه فيما بعد ، أنه كان صاحب مدرسة في الاقتصاد ، أو أنه كان صاحب نسق اقتصادي معين يعمل على أساسه ، ويدفع اقتصاده في اتجاهه ، ويدافع عنه إذا لزم الأمر .
وليس سراً أن التضخم الذي يعني ارتفاع الأسعار لا يزال يتصاعد في تركيا ويتزايد ، والمؤكد أن إردوغان يعرف أن التضخم ظاهرة عالمية في عصرنا ، وأن العالم كله يشكو منه بدرجات متفاوتة ، ثم لا يجد سبيلاً إلى محاربته إلا برفع أسعار الفائدة في البنوك .
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تقود هذا التوجه ، وكلما اجتمع الفيدرالي الأمريكي الذي يعادل البنك المركزي في أي بلد ، كان تفكيره الأول منصرفاً إلى النسبة التي سيرفع بها أسعار الفائدة على الدولار ، وقد رفعها مرات ومرات وقال إنه سيرفعها في المستقبل مرة أو أكثر .. ومن وراء الولايات المتحدة تمضى بقية الدول في ذات الطريق .
إلا إردوغان .. فإنه راح يتبنى توجهاً مختلفاً يركز على حبس أسعار الفائدة إذا جاز التعبير ، وعندما وجد نفسه مضطراً إلى تغيير وزير المالية ومحافظ البنك المركزي مؤخراً ، فإنه أفهم الإثنين أن رفع أسعار الفائدة إذا تم سيكون بمقدار وبحساب . . وهذا تقريباً ما جرى عند مجيء المحافظ والوزير إلى منصبيهما في صيف هذه السنة .
إن اردوغان يعرف أن الحكمة وراء رفع أسعار الفائدة في مختلف الدول هي جذب الأموال إلى البنوك ، وتقليلها في أيدي الناس ، بما يؤدي إلى خفض إنفاقهم على شراء السلع ، التي ستتراجع أسعارها إذا تراجع الطلب عليها .. هذا باختصار ما تريده كل دولة ترفع أسعار الفائدة على أرضها .. ولكن تبين أن رفعها لا يعالج التضخم كما نتصور ، بدليل أن الأسعار لا تزال ترتفع في كل دولة رفعت أسعار الفائدة.
ولذلك لم يسمح إردوغان لنفسه على مدى سنين مضت بالإنجرار في طريق رفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم ، وكان يفعل ذلك لأنه منشغل بهدف أكبر وأهم يتركز في شيئين : إغراء المستثمر بالمجيء إلى تركيا ، وتشجيع المصدرين بما يؤدي إلى رفع الصادرات .
ولكن في فترة ما بعد نجاحه في انتخابات الرئاسة مايو الماضي ، وجد نفسه أمام واقع جديد ، وكان الواقع الجديد هو الذي فرض عليه المجيء بمحافظ جديد للبنك المركزي ، ومعه وزير جديد للمالية ، وكلاهما كان له رأي آخر في حكاية رفع أسعار الفائدة .
وتدريجياً وجد نفسه مستسلماً لما يراه المحافظ والوزير ، ولم يقف في طريق رفع أسعار الفائدة مرة بعد مرة ، رغم أنه كان يعارض هذا التوجه بشدة في فترة ما قبل الانتخابات ، وكان يتمسك بخفض أسعار الفائدة في كل الظروف .
ولا معنى لهذا التحول في عقيدته الاقتصادية ، إلا أنه رجل براجماتي إلى أبعد حد ، وهذا ما تجده في مرونته مع ما يراه المحافظ والوزير ، وتجده بالدرجة نفسها في السلوك السياسي الذي يتصرف به في أنحاء الإقليم .