أنقرة – (بي بي سي)
تحدق هوليا يسيل أوغلو في المقبرة الكائنة خلف الخيام المنصوبة بشكل مؤقت، وتقول إنها غالبا ما تتساءل عما إذا كان من الأفضل لها لو انتهى بها المطاف هناك بدلاً من النجاة من الزلزال المزدوج الذي ضرب تركيا.
تقف أمام فرن حجري وقوده الحطب وتخبز أرغفة الخبز في يوم صيفي حار في مدينة أنطاكيا الجنوبية.
فرنها الحجري القديم، الذي لطالما خبزت فيه، هو الجزء الوحيد من منزلها الذي نجا من الزلازل.
المدينة القديمة في محافظة هاتاي، على بعد 20 كيلومترا (12 ميلا) من الحدود السورية، لا تزال في حالة مرعبة من الإهمال بعد مرور ستة أشهر على تدمير الزلزال لها في فبراير الماضي.
لا يزال آلاف الأشخاص يعيشون هنا في خيام ومساكن مؤقتة. ولا تزال الأبنية التي جُردت من واجهاتها تتكئ على الكثير من الأماكن الشاغرة التي كانت منازل وشركات في يوم من الأيام.
يغطي الغبار كل مكان وتطغى أصوات الحفارات التي تعمل على إزالة الأنقاض وكأنها لحن مرافق للحياة اليومية.
تقدر الحكومة التركية تكلفة إعادة البناء في 11 مقاطعة تضررت من الزلازل بنحو 105 مليارات دولار (82 مليار جنيه إسترليني).
لكن في أنطاكيا، لا تبدو إعادة الإعمار أمرا وشيك الحدوث، خاصة وأن المدينة لا تزال في خضم عمليات إزالة الأنقاض.
لقد مر الوقت، لكن عملية إعادة الإعمار تسير ببطء شديد، ويقول من بقوا في المنطقة، مثل هوليا، إنهم يشعرون بأنهم منسيون.
تقول: “أحمد الله أنه لم يحدث مكروه لأولادي أو لزوجي أو لأحبائي أو لعائلتي، لكن الشعور بأننا بتنا منسيين ولا نحظى بأي اهتمام، وبأن الجميع تخلى عنا، أمر صعب للغاية”.
على بعد أمتار قليلة من المكان الذي تخبز فيه هوليا أرغفة خبزها، لا يزال مبنى عائلتها المكون من خمسة طوابق قائما – ولكنه بالكاد صامد، إذ تعرض لأضرار بالغة ومن المقرر هدمه.
لا تزال هي وزوجها، متين، يعيشان في الحي الذي تحول الآن إلى أنقاض ومبان هزها الزلزال، وكشف عن صفوف لا نهاية لها من الغرف الفارغة في داخلها.
نصبت الخيام البلاستيكية للزوجين خارج باب منزلهما القديم مباشرة، لكن الجو حار جدا بحيث لا تصلح هذه الخيام لأي غرض آخر غير النوم في الليل، ولا أحد يبدو قادرا على تجاوز الكارثة.
تقول هوليا: “لا يزال يُعثر على الجثث تحت الأنقاض حتى الآن.. الأمر لم ينته بعد… إذا استمرت الأمور على هذا النحو، فلن يتحسن الحال إلا بعد 20 عاما”.
إن تقييمها للوقت اللازم لإعادة إعمار هذه المدينة هو بعيد كل البعد عن الموعد النهائي الذي حدده الرئيس رجب طيب أردوغان للمنطقة بعد أيام من الكارثة، ألا وهو عام واحد.
ويبدو أن مرد تقدير هوليا أن الدمار الذي طال جميع أنحاء إقليم هاتاي كان هائلا للغاية.
توفي أكثر من 50 ألف شخص في تركيا في كارثة 6 فبراير/ شباط، وفي إقليم هاتاي وحده، لقي حوالي 23 ألف شخص مصرعهم وأصيب أكثر من 30 ألفا، وفقا لوكالة إدارة الكوارث التركية، أفاد.
في الشهر التالي، قدرت الحكومة التركية أنه لا ينبغي لأحد أن يبقى في ملاجئ مؤقتة لأكثر من ستة أشهر. بحلول يوليو كان 164 ألف شخص لا يزالون يعيشون في خيام ومساكن مؤقتة، وفقا لتقدير الأمم المتحدة.
يقول حسين يايما ، عضو حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان، وممثل إقليم هاتاي في البرلمان: “لقد حللنا بعض القضايا ، لكن لا تزال هناك تحديات كثيرة”.
ويضيف: “المياه غير متوفرة في المدينة لكننا نعمل على حل هذه المشكلة”.
يعتقد يايمان أن عملية إعادة التأهيل والإعمار ستستغرق وقتا أطول بكثير مما كان متوقعا في البداية، ويرى أن المساعدات المالية سواء الوطنية أو الدولية، مهمة وحيوية للغاية.
“تستغرق العودة إلى الوضع الطبيعي وقتا… أرى أننا نحتاج لأربعة أعوام على أقل تقدير؛ في غضون عامين يمكننا تلبية الاحتياجات الأساسية للمتضررين، وفي غضون عامين آخرين، يمكننا البدء بالعودة إلى الوضع الطبيعي الجديد”.
ويضيف يايمان: “نريد المساعدة من قبل المواطنين في المناطق الأخرى من البلاد، وكذلك المساعدة الدولية لأننا بالفعل بحاجة ماسة لها، لدينا الكثير من المشاكل وسيسعدنا أن نتلقى المساعدة”.
يعترف يايمان بأن توزيع المساعدات كان متفاوتا إلى حد ما في الإقليم.
في بعض المخيمات الواقعة في شمال الإقليم تتمثل المشكلة الأكبر في تكييف الهواء، الأمر الذي من شأنه التخفيف من وطأة حرارة الصيف والرطوبة، أما في وسط المدينة حيث تعيش عائلة هوليا، فإن الأولوية هي الحصول على مياه الشرب النظيفة.
تقول هوليا وزوجها إن مياه الشرب النقية قد نفدت وباتا يعتمدان الآن على مياه الآبار للطهي والشرب.
يقول يايمان: “واجهت تركيا امتحانا صعبا في هذا المجال”.
يأتي السكن الدائم على رأس القائمة بالنسبة لاحتياجات الكثيرين في المنطقة، وعلى بعد حوالي 80 كيلومترا (50 ميلا) إلى الشمال من وسط أنطاكيا، وتحديدا في مدينة هسا الجبلية، هناك مبان سكنية جديدة قيد الإنشاء.
خصصت الحكومة التركية حوالي 370 مليون دولار (290 مليون جنيه إسترليني) للمشروع، الذي تقوم بتنفيذه منظمة تابعة لوزارة البيئة تسمى توكي.
وعلى عكس العديد من المباني في مقاطعة هاتاي، تصر منظمة توكي على أنه لم يلحق دمار بأي من مبانيها جراء زلزال فبراير.
وسيضم هذا المشروع 4000 شقة سكنية كافية لإيواء 30 ألف شخص، كما يضم مدرسة ومركزا صحيا وملعبا.
يقول نورتاك يلماز، الذي تتكفل شركته الإنشائية يلكانور إنشات Yılkanur Insaat ببناء جزء من المشروع، إنه لن يكتمل بالكامل حتى الصيف المقبل.
ويقول: “إن تنفيذ وبناء هذه المنشآت بسرعة لا يعني أبدا أنها غير آمنة أو غير مقاومة للزلازل”.
بطبيعة الحال ستكون أخبارا سارة للغاية بالنسبة لسكان هسا عندما يصبح هذا المجمع جاهزا، ويقول يلماز إن الأولوية ستعطى لأولئك الذين صنفت منازلهم على أنها تضررت بشدة.
بالنسبة للآخرين، مثل عائلة هوليا، الذين قُيمت حالة منازلهم على أنها تعرضت لأضرار طفيفة، سيكون الطريق نحو العودة إلى الحياة الطبيعية أطول.
يقول متين يسيل أوغلو: “إذا ساعدتنا الحكومة ، فليس من الضروري أن نجعل من السكن الجديد مثاليا، يمكننا البدء بروية، ما علينا في البداية سوى وضع الأساسات”.
“بعد ذلك يمكننا إنهاء بناءه بتمهل، لن نكون تحت هذا الضغط النفسي الهائل، ولكن يقولون الآن إنهم سيهدمون هذا المبنى ويحللون التربة هنا، إذا ما تبين أن التربة مناسبة سيسمحون بالبناء، وإلا فلن نتمكن من إعادة بناء منزلنا مطلقا”.