07:27 م
السبت 05 أكتوبر 2024
الإسكندرية – محمد البدري:
سطر الجنود المصريون أروع ملاحم البطولة والفداء، في السادس من أكتوبر عام 1973 عندما تمكنوا من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف المنيع، في واحدة من أعظم الانتصارات العسكرية في العصر الحديث.
ومع الذكرى الحادية والخمسين لحرب أكتوبر المجيدة، أجرى “مصراوي” لقاءً مع أحد أبطال العبور، هو المقاتل “الأمير عبدالمجيد” لتسليط الضوء على بطولة من مئات البطولات التي حفرها جنود مصر في ذاكرة الانتصارات، يروي البطل مشاهد من الحرب أبرزها مساهمته وزملائه في إسقاط 6 طائرات إسرائيلية خلال 24 ساعة.
سرية الحية
يقول الأمير: “كانت فترة خدمتي العسكرية ست سنوات، بدأت من عام 1971، خاصة بعد نكسة 67، حيث كانت البلاد بحاجة لتكوين جيش قوي من أبنائها. استعانت بكل الشباب ممن هم في سن التجنيد وكنت واحدًا منهم، وتلقيت تدريبات في عدد من الفرق القتالية والتحقت بسلاح الدفاع الجوي.
وتابع: “انضممت إلى “سرية الحية” وأطلق عليها هذا الاسم نظرًا لاستخدام مقاتليها أحدث سلاح مضاد للطائرات في ذلك الوقت، وهو عبارة عن قاذف صواريخ يُحمل على الكتف ويصيب محرك الطائرات بدقة عالية ويعمل على الأشعة تحت الحمراء، وكان الصاروخ يأخذ شكل حركة الثعبان خلال ملاحقته لطائرات العدو، فأطلق علينا سلاح الحية”.
ساعة الصفر
استعاد “الأمير” ذكرياته مع بداية الحرب، موضحا أنه جرى إبلاغ المقاتلين على الجبهة الذين تم اختيارهم كأول المشاركين في العبور بساعة الصفر قبل 72 ساعة من بدء الحرب”.
وأضاف: “في بادئ الأمر فوجئنا بمنع الإجازات وكانت الأمور مبهمة. عندما سألنا، أبلغونا بمنع الإجازات بسبب التحضير لمشروع حرب، تقبلنا الأمر لأنه كان أمرًا معتادًا وليس بجديد، حتى جاء يوم الثالث من أكتوبر عندما تم إبلاغنا بالتعليمات بأننا سنخوض الحرب، تم نقلنا لمنطقة بالقنال لعمل بيان عملي قبل الحرب بيومين حتى نعرف خط سيرنا أثناء العبور ونقاط تمركزنا، أذكر أننا تلقينا الأوامر بالإفطار في تمام الساعة الواحدة والنصف ظهر يوم 6 أكتوبر”.
عبور خط بارليف
يتابع “الأمير”: “عندما اقتربت من الجبهة، نظرت إلى خط بارليف وسألت نفسي هل سنستطيع عبور هذا الساتر العملاق؟ تردد هذا السؤال في ذهني كثيرًا بسبب نقاط إطلاق النابالم المنتشرة على الضفة الشرقية المحتلة، والتي كانت مربوطة بنقطة إشارة إسرائيلية حصينة تدعى النقطة 48. كانت مهمتها تعتمد على إبلاغ قيادات العدو بأي حركة من المصريين عن شعورهم بأن الجيش المصري سيعبر القنال. لهذا أطلقنا على نقطة عبورنا من خط بارليف اسم معبر 48. كانت تلك النقطة أول النقاط التي تم تدميرها من خلال زملائنا بقوات الكوماندوز لقطع الاتصال بالقيادة الإسرائيلية ومنع إطلاق النابالم أثناء العبور”.
عملية “التبة” بالقنطرة شرق
روى الأمير قصة عملية “التبة” التي شارك في تنفيذها مع 6 من زملائه في ثالث أيام الحرب بعد 72 ساعة من العبور، قائلاً: “كان هناك تبة في القنطرة شرق تبعدنا عن تمركزات إسرائيل بنحو 4 كيلومترات، من يملك السيطرة على تلك التبة يمكنه كشف تمركزات الجيشين المصري والإسرائيلي. كلما تقدمت قواتنا، كانت تُقصف بصواريخ من طائرات إسرائيلية، وكان يجب السيطرة على تلك التبة لمنع الطائرات من التحليق وإصابة قواتنا”.
وتابع: “صدرت الأوامر من القيادة لتجهيز رجال سرية “الحية” للسيطرة على التبة وإسقاط طائرات العدو في خلال ساعة واحدة، حتى نكشف المنطقة بالكامل. تلقينا تحذيرًا أنه إذا لم نعد في خلال ساعة، سيتم قصفنا من المدفعية المصرية، التي تلقت أوامر بوقف الإطلاق في فترة معينة لضمان عدم إصابتنا في مدى الإطلاق، وهذا ما صعّب المسؤولية علينا”.
إسقاط 3 طائرات
واستكمل حديثه قائلاً: “تم اختيار 7 جنود للمهمة، وتم نقلنا بالقرب من موقع التبة بسيارة صغيرة، وبدأنا بعمل حفر للاختباء داخلها حتى لحظة الهجوم، عند سماع أزيز طائرات العدو، طلبنا الإذن من القيادة بالتعامل، ونجحنا في إسقاط 3 طائرات إسرائيلية فور عبورها بالقرب من التبة بقاذفات الصواريخ التي حملناها معنا”.
بطولة وتضحية
واستكمل قائلاً: “أنجزنا مهمتنا في 45 دقيقة، وكانت الأوامر أن ننتظر عودة السيارة بأسرع وقت ممكن لتعيدنا لموقعنا. لكن المدفعية الإسرائيلية كانت أسرع من زملائنا، فبدأ العدو بإطلاق سيل من الطلقات المدفعية على موقعنا، ليستشهد اثنين من زملائنا وأصيبت بشظايا في رأسي وأصيب ثلاثة من زملائي”.
وقال: “لا زلت أذكر لحظة استشهاد زملائي في المهمة. لم أتمالك نفسي وقتها من البكاء، ولكن أذكر جيدًا اللحظات الأخيرة قبل وفاتهم، عندما منحهم الله القدرة على الكلام رغم إصاباتهم البالغة، عندما رددوا “شهداء الحمد لله”، وأجبناهم قائلين: “نتمنى أن نكون مثلكم شهداء”. حتى عادت إلينا السيارة وعدنا بزملائنا وجثامين الشهداء”.
دور القوات الجوية في دعم العملية
يضيف الأمير: “أثناء تنفيذ عملية “التبة”، لعبت القوات الجوية المصرية دورًا حاسمًا في توفير الدعم الجوي اللازم لحماية الجنود على الأرض. قامت الطائرات المصرية بتنفيذ غارات جوية مكثفة على مواقع العدو، مما ساهم في تقليل الضغط على القوات البرية وتمكينها من تنفيذ مهمتها بنجاح. كانت هذه الغارات الجوية جزءًا من خطة متكاملة تهدف إلى تحقيق التفوق الجوي ومنع الطائرات الإسرائيلية من التدخل في العمليات البرية.”
إسقاط 3 طائرات فانتوم بعد ساعات من عملية “التبة”
وذكر “الأمير” ما حدث في اليوم الثاني من عملية “التبة” عندما حاول العدو الإسرائيلي الانتقام لما تعرض له من هجوم، قائلا: تم مهاجمة سرية قريبة من نقطة تمركزهم تابعة لنفس الكتيبة الحربية بثلاث طائرات فانتوم، فما كان من القيادة إلا أن تعلن الطوارئ لدعم زملائهم وإسقاط الطائرات.
تمكن الأمير وزملاؤه من إسقاط الطائرات الثلاث بسلاح الحية مرة أخرى، وكانت الطائرة الفانتوم أحدث طائرة عسكرية في ذلك الوقت، وكان يتم إسقاطها بواسطة اثنين من الرماة يستهدف كل منهم محركًا للطائرة، حيث يجب تدمير المحركين معًا نظرًا لوجود محرك ثالث احتياطي يتم تشغيله كبديل في حالة إصابة أحد المحركين الأساسيين.
18 أكتوبر.. مرحلة إسرائيل انتهت وواجهنا أمريكا
وأكمل “الأمير” روايته قائلاً: “بدءًا من يوم 18 أكتوبر، كنا نواجه أمريكا وليس إسرائيل، كنا نرى الطيران الأمريكي على مسافات منخفضة بدءًا من هذا اليوم، وكنا نستطيع تمييزه حيث كانت الطائرات بلون مختلف عن طيران العدو الإسرائيلي، وكان الشعار الأمريكي على ذيل الطائرات ولم يكن هناك وقت لديهم لتغييره بشعار إسرائيل”.
وتابع: “إسرائيل انتهت فعليًا في 6 ساعات، لم يكن لديها أي قوات سواء مشاة أو دفاع جوي أو مدرعات، جميع معداتها تم تدميرها، كان الجيش المصري مسيطر تمامًا على سيناء، لدرجة أن لواء إسرائيلي كامل تم أسره يدعى لواء “عساف ياجوري”.
يرى “الأمير” أن الإيمان بالوطن والتفاني في أداء الواجب يمكن أن يصنع الفارق في أصعب اللحظات، معتبرا أن عملية “التبة” واحدة من مئات الأمثلة الحية على الروح القتالية العالية والتنسيق المثالي، وتعكس مدى الشجاعة والتضحية التي قدمها الجنود المصريون في حرب أكتوبر المجيدة.