بي بي سي
استبعد مراقبون ومحللون أن يؤدي اغتيال زعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يحيى السنوار، إلى وقف الحرب بشكل مباشر في قطاع غزة، حيث إن الأهداف التي حددها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لم تتحقق بعد، وربما أضيف لهذه الأهداف ما يجعل استمرار الحرب والوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع الفلسطيني هو السيناريو الأقرب للتحقق.
تعهد نتنياهو بمواصلة الحرب، في وقت أعرب فيه قادة غربيون، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، عن أملهم في أن يكون اغتيال السنوار نقطة تحول محتملة في الصراع.
ولم يحسم نتنياهو وحكومته خططًا لآلية حكم غزة بعد الحرب، وبحسب مراقبين فإن “الحكومة الإسرائيلية تعرف ما لا تريده وهو ألا يستمر حكم حماس للقطاع، لكنها لا تعرف ما تريده بعد ذلك وهو كيفية إدارة غزة وهل تستمر في نشر جنودها فيه من عدمه”.
وحدد نتنياهو أهدافه من حرب غزة بإنهاء حكم حماس والقضاء عليها وتحرير الأسرى الإسرائيليين الذي تحتجزهم الحركة حاليًا في القطاع، لكنه أضاف إلى هذه الأهداف مؤخرًا تنفيذ ما يسمى بـ”خطة الجنرالات” في شمال القطاع وإقامة مناطق عازلة داخله لمنع تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023.
ويعتقد مراقبون أن فرص التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بعد اغتيال السنوار ما زالت ضئيلة، حيث لا يبدو أن أيًا من الطرفين يسعى لتحقيقه.
وتصاعد الصراع في الأسابيع الأخيرة ليشمل ما هو أبعد من القتال في غزة، والتوترات المتزايدة في الضفة الغربية المحتلة، ليمتد إلى غزو إسرائيل لجنوب لبنان، وقصف مناطق واسعة من البلاد.
في الوقت نفسه، تعهد حزب الله بتكثيف القتال ضد إسرائيل، وأعلنت إيران، الداعمة للجماعة اللبنانية، أن “روح المقاومة” ستتعزز باستشهاد حليفها في غزة.
ويُعتقد أن السنوار، الذي تصدر قائمة المطلوبين في إسرائيل، هو العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر 2023.
أهداف متضاربة
ويقول فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، لبي بي سي، إن “انعدام الثقة وتضارب أهداف الطرفين يجعلان الأمل في إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار هدفًا بعيد المنال”.
وأشار جرجس، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان واضحًا جدًا بشأن هدفه الشامل وقال، “بعد الاحتفال باغتيال السنوار، أكد نتنياهو أن الحرب مستمرة، حيث لم يتم تحقيق النصر الكامل بعد. هذا النصر، وفقًا لنتنياهو، يشمل إعادة الأسرى إلى ديارهم والهزيمة الكاملة لحماس.”
وفي مقطع فيديو شاركه على منصة “إكس”، قال نتنياهو: “يحيى السنوار استُشهد. ورغم أن هذه ليست نهاية الحرب في غزة، إلا أنها بداية النهاية”.
“ما يقوله نتنياهو في الأساس هو أن الحرب لن تتوقف إلا إذا توقفت حماس عن المقاومة العسكرية. وهذا لا يترك لحماس أي خيارات سوى الاستمرار في القتال”، بحسب ما قاله أستاذ العلاقات الدولية لبي بي سي.
وقال نتنياهو في خطاب إعلانه عن استشهاد السنوار، إن هذا الصراع يمكن أن ينتهي إذا ألقت حماس سلاحها وأعادت 101 أسير إسرائيلي وأجنبي تحتجزهم في غزة.
بينما قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إن “إسرائيل يجب ألا تتوقف قبل الاستسلام الكامل لحماس”.
ومن جانبه قدم إيدي كوهين، الباحث في المركز الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية، رأيًا مختلفًا حول الأهداف الأوسع في غزة، قائلًا إن “طموحات نتنياهو تفضي بوضوح إلى ما هو أبعد من مجرد تأمين الإفراج عن الأسرى”.
وأشار كوهين إلى أن أحد الأهداف الرئيسية، بحسب نتنياهو، هو أن “حماس لن تحكم قطاع غزة، ولن تسيطر أي جهة أخرى على القطاع مرة أخرى”.
ويعتقد كوهين أن السبيل الوحيد لإنهاء الصراع هو ضمان ألا يكون لحماس أو لمن سيخلف السنوار أي دور في مستقبل غزة، مشددًا على أهمية تأمين الحدود لمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع كأحد أهم الأهداف الأخرى، بحسب كوهين.
” جبهات متعددة”
وأشار جرجس إلى أن “نتنياهو يخوض حربًا على جبهات متعددة، كما هو واضح في غزة والضفة الغربية وغزو لبنان”. مضيفًا: “كما يسعى بالطبع إلى إدخال الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الصراع”، على حد قوله.
كان نتنياهو قال في خطابه عقب اغتيال قائد حماس: “لدينا فرصة كبيرة لوقف محور الشر وخلق مستقبل مختلف”، في إشارة إلى إيران وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك غزة ولبنان، وسوريا، والعراق واليمن، حسب وصفه.
لكن كوهين أصر على إعادة التركيز على قضية الأسرى، مؤكدًا أن السنوار كان العقبة الرئيسية في المفاوضات، قائلًا: “إسرائيل ليس لديها طموحات في غزة، لكن لدينا أسرى نريد الإفراج عنهم”.
وأبدى كوهين نظرة أكثر تفاؤلًا، خاصة بعد استشهاد السنوار، مشيرًا إلى أن ذلك قد يمهد الطريق لمزيد من المرونة في المحادثات المقبلة. وأضاف “الوضع سيتحسن تدريجيًا”، متوقعًا أن يتم التوصل إلى اتفاق للإفراج عن الأسرى قريبًا.
ومنذ الإعلان عن اغتيال السنوار، أعرب منتدى عائلات الرهائن عن قلق عميق على أحبائهم، ودعا الحكومة إلى “استغلال الإنجاز العسكري لتحقيق إنجاز دبلوماسي” بصفقة لإعادة الأسرى الباقين على قيد الحياة وجثامين من ماتوا من غزة.
لكن جرجس يختلف مع كوهين أن الهدف الأساسي هو إعادة الأسرى، مشيرًا إلى أن نتنياهو أوضح أن إعادة الأسرى أحياء (بافتراض أن أيًا منهم قد نجا من الحرب المستمرة) ليست أولوية قصوى، مضيفًا أن الهدف الأساسي لنتنياهو، في وجهة نظره، هو إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط.
“ولهذا السبب، تتجاهل النقاشات حول وقف إطلاق النار في غزة بعد اغتيال السنوار أهداف نتنياهو الأوسع، والتي تشمل هزيمة حماس واستهداف حلفائها في الضفة الغربية وحزب الله اللبناني، وربما الدخول في مواجهة مع إيران في النهاية”، حسب جرجس.
ويُنظر إلى يحيى السنوار على نطاق واسع بأنه كان العقبة الرئيسية أمام صفقة الأسرى، بالرغم من أن حماس أكدت مرارًا على أن موقفها التفاوضي لم ولن يتغير بعد استشهاده وأنها وافقت على اقتراح بايدن من قبل.
لكن بالنسبة لماثيو دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية، “فإذا كان السنوار هو العقبة الكبرى أمام وقف إطلاق النار، فإن هذا العائق قد أُزيل الآن، مما يمنح الولايات المتحدة وحلفائها فرصة لوقف التصعيد نحو صراع إقليمي أوسع”.
وأضاف دوس، أن “معظم أفراد القيادة العليا لحماس موجودون الآن خارج غزة، وخاصة في العاصمة القطرية الدوحة، مما قد يسهل التوصل إلى اتفاق، لكنه شدد على ضرورة أن ينهي أي اتفاق الحرب فعليًا، لا أن يفتح مرحلة جديدة من الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة.
ويتفق الخبراء على أن خطة إسرائيل في غزة لما بعد الحرب أو ما يسمى إسرائيليًا “اليوم التالي للحرب” ليست واضحة، وهو ما قد يطيل أمد الصراع، ويسمح للتيار اليميني داخل الحكومة باقتراحات متطرفة تشمل وجودًا دائمًا في القطاع وسيطرة على معابره، وربما إعادة الاستيطان إلى مناطق محتلة جديدة.