02:59 م
الأربعاء 12 يوليه 2023
دمشق – (أ ف ب)
يخشى نازحون يقيمون في مخيّمات بائسة في شمال غرب سوريا من أن يؤدّي حقّ النقض الذي استخدمته روسيا لإحباط تمديد العمل بآلية إدخال المساعدات عبر الحدود لمدة تسعة أشهر إلى إعاقة وصول مواد غذائية وإغاثية يحتاجونها بشدّة.
ويقول النازح غياث الشعار (43 عاماً) بينما يجلس أمام كرفان بات منزله في مخيّم قريب من بلدة بتابو في ريف إدلب الشمالي لفرانس برس الأربعاء “بعدما هجّرتنا روسيا من قرانا، تحاربنا اليوم سياسياً بلقمة العيش وتحوّل المساعدات الإنسانية إلى قضية سياسية”.
ويضيف الأب لخمسة أطفال أنّ المساعدات العابرة للحدود “ضرورية جداً في ظلّ عدم توفّر فرص عمل”، ومن دونها “يستحيل لأيّ شخص أن يستمرّ، خصوصاً إذا كان لديه أطفال”.
وفشل مجلس الأمن الدولي الثلاثاء في الاتّفاق على تمديد آلية إدخال المساعدات من تركيا إلى سوريا عبر معبر باب الهوى، جراء استخدام موسكو، أبرز داعمي دمشق، حقّ النقض لمنع صدور قرار يمدّد العمل بهذه الآلية لتسعة أشهر.
وقدّمت روسيا خلال الجلسة ذاتها مقترحاً بديلاً لتمديد الآلية لمدة ستة أشهر، رفضه المجلس بغالبية عشرة أصوات، في وقت تصرّ فيه الأمم المتحدة وعاملون في المجال الإنساني وغالبية أعضاء المجلس على تمديد الآلية سنة واحدة على الأقلّ للسماح بتنظيم أفضل للمساعدات وضمان إيصالها الى مستحقّيها، خصوصاً خلال الشتاء المقبل.
ومنذ نزوحه من الغوطة الشرقية لدمشق قبل خمس سنوات، يعتمد الشعار على مساعدات غذائية وطبية ولوجستية تقدّمها المنظمات الدولية، آخرها الكرفان الذي انتقل إليه من خيمة بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا المجاورة في شباط/فبراير وفاقم الاحتياجات الانسانية في المنطقة.
ويوضح “حتى لو كانت المساعدات بسيطة، لكن الحجرة تسند خابية” مضيفاً “المساعدات الغذائية ومساعدات الطوارئ ضرورية جداً لكل أسرة”.
“إيجاد حلّ”
ويشكّل باب الهوى شرياناً حيوياً لدخول المساعدات إلى أكثر من أربعة ملايين شخص، نصفهم تقريباً نازحون، يعيشون في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل أخرى معارضة في إدلب ومحيطها.
ويحتاج هؤلاء، وفق الأمم المتحدة، إلى مساعدات إنسانية للاستمرار بعد سنوات من النزاع والانهيار الاقتصادي وتفشّي الأمراض وفقر متزايد فاقمه الزلزال.
والآلية التي انتهت مفاعيلها الإثنين كانت تسمح بإيصال مساعدات يستفيد منها 2,7 مليون شخص شهرياً.
وإثر فشل تمديد العمل بالآلية، قالت السفيرة السويسرية باسكال بيريسويل، والمكلفة بلادها مع البرازيل بهذا الملف في مجلس الأمن، إنّ الدبلوماسيين “سيعاودون العمل على الفور لإيجاد حلّ”.
وسمح مجلس الأمن عام 2014 بعبور المساعدات عبر أربع نقاط حدودية، لكنّه ما لبث أن قلّصها تباعاً، بضغوط من موسكو وبكين، حليفتي دمشق، لتقتصر على باب الهوى الذي شهد الأربعاء، وفق مراسل فرانس برس، حركة اعتيادية مع عبور شاحنات تجارية.
واتّهم السفير الروسي في الأمم المتّحدة فاسيلي نيبينزيا الغرب بـ”الاستفزاز لدفع روسيا إلى استخدام حقّ النقض”. وقال “إذا لم يلق نصّنا الدعم، يمكننا بكلّ بساطة إيقاف الآلية”، معتبراً أنّ المساعدات التي تدخل عبرها يستفيد منها “إرهابيو إدلب” وليس الشعب السوري.
وفي المخيم ذاته القريب من بلدة بتابو في إدلب، تعرب جازية المحمد الحميد (55 عاماً) التي فقدت زوجها وابنتها في الزلزال المدمّر عن امتعاضها من الموقف الروسي.
وتسأل بحرقة “تريدون أن تحاربوننا على لقمتنا وتلحقوننا إلى صندوق المساعدات؟”.
وتشكو السيدة التي تعيش مع خمسة من أولادها من ظروف صعبة في ظل ارتفاع الأسعار. وتقول إن المساعدات التي تحصل عليها، على قلّتها، تمكّنها من تدبير شؤون أسرتها بالحدّ الأدنى.
وتضيف “ذبحنا الجوع والعطش. نريد مساعدات إضافية.. ولا يجوز أن تغلق روسيا المعبر”.
“مركز الثقل”
ويهدّد عدم تجديد الآلية مصير المساعدات إلى مناطق في إدلب ومحيطها، من دون أن يعني توقفها على المدى القريب، مع تخزين الأمم المتحدة مساعدات في المنطقة من جهة، واستمرار العمل بمعبرين آخرين سمحت دمشق بفتحهما إثر الزلزال ويستمر العمل بهما حتى منتصف آب/أغسطس.
لكنّ ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أكّد الثلاثاء أن معبر باب الهوى يبقى “مركز الثقل لاستجابتنا عبر الحدود”، مشيراً إلى أنّ 85 في المئة من المساعدات تمرّ عبره.
ومنذ الزلزال، عبرت أكثر من 3700 شاحنة محمّلة بمساعدات تابعة للأمم المتحدة عبر المعابر الثلاثة، غالبيتها من باب الهوى، وكان آخرها 79 شاحنة الإثنين.
ويثير الفيتو الروسي قلق منظمات إغاثية وطبية وحقوقية.
وطالب رئيس منظمة الإنقاذ الدولية ديفيد مليباند “أعضاء مجلس الأمن بأن يسترشدوا بالضرورات الإنسانية بدلاً من السياسة”، داعياً المجلس إلى “الانعقاد بشكل عاجل لإعادة تفويض العمل بآلية إيصال المساعدات عبر باب الهوى لمدة 12 شهراً إضافياً”.
ونبّهت منظمة سايف ذي تشيلدرن (أنقذوا الأطفال)، إلى أن حياة ملايين الأطفال في شمال غرب سوريا “تعتمد بشكل كلّي على المساعدات”، داعية مجلس الأمن لأن “ينعقد على وجه السرعة ويعمل على عكس هذا القرار القاتل”.
وبعد 12 سنة من اندلاع نزاع مدمّر أودى بحياة أكثر من نصف مليون شخص، تتضاءل قدرة المنظمات الدولية على الاستجابة للاحتياجات الانسانية المتنامية، في وقت يعيش فيه ما لا يقلّ عن تسعين في المئة من السوريين تحت خط الفقر.
وقالت المسؤولة في منظمة هيومن رايتس ووتش فلوريان بوريل، عقب فشل تمديد الآلية، إنهّ يتعيّن على الأمم المتحدة أن “تستكشف على الفور وسائل بديلة لضمان حصول السوريين على ما يكفي من الغذاء والدواء والمساعدات الأخرى التي يحتاجونها بشدة دون استجداء روسيا أو الرئيس السوري” بشار الأسد.