واشنطن – (بي بي سي)
تتركز الأنظار مجددًا على هانتر بايدن، الابن الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة للرئيس جو بايدن.
وقد عيّنت وزارة العدل مستشارًا خاصًا، ديفيد فايس، للتحقيق معه.
وجاء هذا الإعلان بعد أسابيع من انهيار صفقة الإقرار بالذنب بينه وبين السلطات القضائية الأمريكية بشأن اتهامات مرتبطة بالتهرب الضريبي وحيازة سلاح غير قانوني.
ويخضع نجل الرئيس الذي كان هدفا منذ فترة طويلة لانتقادات الجمهوريين، لتحقيق فيدرالي منذ عام 2019.
غير أن تعيين المستشار الخاص لم يُسكِت منتقديه.
ولطالما زعم الرئيس السابق دونالد ترامب وحلفاؤه أن الرجل البالغ من العمر 53 عاما متورط بالفساد على نطاق واسع، لا سيما في تعاملاته التجارية الخارجية في الصين وأوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، وقف الرئيس بايدن إلى جانبه على كل المستويات.
وقال البيت الأبيض إن “الرئيس والسيدة الأولى يحبان ابنهما و يدعمانه بينما يواصل إعادة بناء حياته”.
وكان هانتر بايدن قد توصل في البداية إلى اتفاق مع المدعين العامين للاعتراف بالذنب في حجتين ضريبيتين والاعتراف بحيازة سلاح بشكل غير قانوني أثناء تعاطيه المخدرات. ومن المرجح أن شروط الاتفاق كانت ستبقيه خارج السجن.
لكن الشهر الماضي، قالت قاضية إنها لا تستطيع التوقيع على الصفقة بسبب “الشروط غير الاعتيادية” والطبيعة “غير العادية” للقرار المقترح حول تهمة حيازة السلاح.
وامتدت متاعب بايدن الابن الشخصية الموثقة جيدا، بما في ذلك الانفصال الزوجي العلني وإدمان المخدرات، إلى السياسة منذ دخول والده البيت الأبيض.
طفولة شكّلتها المأساة
ولد هانتر في ويلمنغتون في ولاية ديلاوير عام 1970 للرئيس بايدن وزوجته الأولى نيليا بايدن، وهانتر هو كنية والدته قبل الزواج من والده.
وكان يبلغ من العمر عامين فقط في ديسمبر 1972 وبعد أقل من ستة أسابيع من انتخاب والده في مجلس الشيوخ الأمريكي، عندما اصطدمت شاحنة بسيارة العائلة وأودت بحياة والدته وأخته الرضيعة نعومي.
وتركه الحادث مصابا بكسر في الجمجمة وشقيقه الأكبر بو بكسرٍ في ساقه. وأدى بايدن الأب الذي لم يكن في السيارة، اليمين الدستورية من غرفتهما في المستشفى.
والتحق هانتر لاحقا بجامعة جورج تاون وكلية الحقوق في جامعة يال، وتخرج في عام 1996.
وبين الشهادتين، انضم إلى فيلق المتطوعين اليسوعيين، وهي مجموعة كاثوليكية تتطوع لخدمة المجتمعات المهمشة.
هناك، التقى بزوجته الأولى، كاثلين بوهل، وهي محامية، وتزوجا في عام 1993.
ولديهما ثلاثة أطفال وهم نعومي وفينيغان ومايسي. لكنهما انفصلا في عام 2017.
“ظلام” الإدمان
لا يشرب جو بايدن الكحول، لكن هانتر بدأ الشرب في سن المراهقة واعترف بتعاطي الكوكايين عندما كان طالبا جامعيا.
كما دخل مركز إعادة التأهيل وخرج منه.
وفي عام 2013، وقع على مرسوم الانضمام لقوات الاحتياط في البحرية الأمريكية وأدى اليمين الدستورية أمام والده، نائب الرئيس آنذاك، في حفل أقيم في البيت الأبيض. ولكن في أول يوم له في القاعدة البحرية، ثبت تعاطيه الكوكايين وتم تسريحه، وهو أمر قال لاحقا إنه “محرج” له.
ووفقا لمجلة نيويوركر، كان يشرب بشكل مفرط بعد وفاة شقيقه الأكبر، بو، بسرطان الدماغ في عام 2015، وأحيانا يغادر المنزل فقط لشراء الفودكا.
“كان هو وبو شخصاً واحداً”، كتبت ابنته نعومي ذات مرة على تويتر. “قلب واحد، روح واحدة، عقل واحد”.
خلال تقدمها بطلب الطلاق في عام 2017، اتهمت بوهل هانتر “بالإنفاق بإسراف على ملذاته الخاصة ( بما في ذلك المخدرات والكحول وعاملات الجنس ونوادي التعري والهدايا للنساء اللواتي له علاقات جنسية معهن) بينما يترك الأسرة من دون أموال لدفع الفواتير الضرورية”.
وكسرت بوهل صمتها العام الماضي وتحدثت عن سبب انهيار زواجهما الذي استمر 24 عاما حيث قالت لبرنامج “صباح الخير يا أمريكا”: “كان يصارع إدمان المخدرات بشكل كبير، وهذا أمر مفجع ومؤلم ولم يكن نفس الشخص الذي تزوجته”.
وفي مذكراته التي نشرها عام 2021 بعنوان “أشياء جميلة”، يعترف هانتر بأن خيانته لبوهل كانت القشة الأخيرة في زواجهما.
وأثبت اختبار الحمض النووي في عام 2019 أنه “الأب البيولوجي والشرعي” لطفل من راقصة التعري، لوندن أليكسيس روبرتس.
وادعى هانتر أنه “لا يتذكر” لقائهما في مذكراته. لكنه قام بتسوية دعوى أبوة مع روبرتس وهو يدفع الآن نفقات إعالة طفلها.
وقبل الانتهاء من انفصاله عن بوهل، اقام هانتر علاقة مع أرملة شقيقه، هالي بايدن، لمدة عامين، حيث تقربا من بعضهما بسبب “الحزن المشترك والخاص جدا” على خسارتهما، كما قال لمجلة نيويوركر.
وبعد أسابيع فقط، تزوج هانتر من المخرجة الجنوب أفريقية ميليسا كوهين بعد مغامرة رومانسية استمرت ستة أيام. ولديهما ابن واحد.
وتحدث في عام 2019 عن صراعه مع الإدمان قائلا: “أنت لا تتخلص منه. يمكنك فقط معرفة كيفية التعامل معه”.
وفي “أشياء جميلة”، يعزو الفضل في بقائه على قيد الحياة إلى حب عائلته، ويروي كيف تدخل والده لثنيه عن المضي في الإدمان، عندما احتضنه قائلا له: “لا أعرف ماذا أفعل. أنا خائف جدا. قل لي ماذا أفعل”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه تحول إلى الرسم كشكل من أشكال العلاج، ونقلت عنه قوله إنه “يبقيني بعيدا عن الناس والأماكن التي لا ينبغي أن أكون فيها”.
لكن معرضا فنيا عام 2021 لبيع لوحاته التي بلغ ثمن الواحدة منها حوالي 500 ألف دولار، خلق معضلة أخلاقية بالنسبة للبيت الأبيض في عهد بايدن.
المزج بين الأسرة والأعمال
بعد تخرجه من كلية الحقوق في جامعة يال، عمل هانتر في أم بي أن إيه أمريكا، وهي شركة قابضة مصرفية مقرها في ولاية ديلاوير واستحوذ عليها لاحقا بنك أوف أمريكا.
ومع ذلك، فإن علاقة والده الوثيقة بالبنك – أحد أكبر أرباب العمل في ولاية ديلاوير ومساهم كبير في حملاته السياسية – أكسبته لقبا غير ملائم وهو “عضو مجلس الشيوخ عن أم بي أن إيه”. ومع صعود بايدن الأصغر سنا إلى رتبة نائب الرئيس التنفيذي في البنك، دفع والده بتشريع إصلاح الإفلاس عبر مجلس الشيوخ الامر الذي استفاد منه البنك.
وفي أوائل عام 2000، بينما كان لا يزال يتلقى أتعابا استشارية من البنك، أسس هانتر مجموعة ضغط في واشنطن – وفقا لمجلة بوليتيكو – جعلته يحصل على “عملاء لديهم مصالح تتداخل مع مهام لجنة [والده] والأولويات التشريعية”.
وقال لمجلة نيويوركر إن العلاقة بين الأب والابن في ذلك الوقت كانت أن أيا منهما لن يتحدث مع الآخر عن عمل مجموعة الضغط. وقد أكد الرئيس بايدن صحة ذلك عندما برزت الادعاءات الأخيرة بارتكاب هانتر مخالفات جديدة.
في عام 2006 ، مع تعيين بايدن السناتور آنذاك في منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ، قام ابنه وقريب آخر بعملية شراء صندوق التحوط ، باراديغم جلوبال أدفايزورز.
ظل هانتر وقريبه يديران باراديغم أثناء ترشح جو بايدن للرئاسة عام 2008 واختياره لمنصب نائب الرئيس للرئيس باراك أوباما. خلال تلك الفترة ارتبط اسم الصندوق بالعديد من عمليات الاحتيال الإجرامية، بما في ذلك رجل أعمال من تكساس أدين بإدارة واحدة من أكبر مخططات بونزي في تاريخ الولايات المتحدة. ونفى هانتر وقريبه ارتكاب أي مخالفات ولم يواجها أي اتهامات. في عام 2010 جرت تصفية الصندوق وأعيدت الأموال إلى المستثمرين.
الصين وأوكرانيا
جادل الرئيس السابق ترامب والحزب الجمهوري بأن التعاملات التجارية الخارجية التي تورط فيها نجل الرئيس بايدن مثيرة للشكوك وتنطوي على تضارب في المصالح.
وفي الفترة من 2013 إلى 2016، شغل مقعدا في مجلس إدارة شركة الأسهم الخاصة الصينية بي إتش آر بارتنزر، أولا كعضو غير مدفوع الأجر ثم امتلك لاحقا حصة 10 بالمئة من اسهمها.
وأشار ترامب الذي أصر على أن جو بايدن هو “دمية الصين”، مرارا وتكرارا إلى هذا الموقف كدليل على ما وصفه بفساد منافسه.
وبعدما غادر والده البيت الأبيض في عام 2017، دخل هانتر في شراكة مع الملياردير الصيني يي جيان مينغ – قطب النفط – في مشروع للغاز الطبيعي في لويزيانا. ويبدو أن الصفقة قد انهارت بعدما اعتقلت السلطات الصينية يي بتهم فساد واختفى بعد ذلك.
لكن التعاملات التجارية في أوكرانيا هي التي أثارت أكبر قدر من الجدل.
وفي عام 2014، انضم هانتر إلى مجلس إدارة شركة الغاز الطبيعي الأوكرانية، بوريسما هولدينغ، حيث ورد أنه كان يحصل على ما يصل إلى 50 ألف دولار شهريا.
وفي ذلك الوقت، كان والده يشارك بنشاط في أعمال مكافحة الفساد في أوكرانيا. حشد نائب الرئيس بايدن قادة غربيين آخرين للدعوة إلى إقالة كبير المدعين العامين في البلاد، فيكتور شوكين الذي كان يتهم بعرقلة تحقيقات الفساد.
وأقال البرلمان الأوكراني شوكين في عام 2016. وزعم ترامب وبعض حلفائه أنه أطيح به بسبب التحقيق في بوريسما.
وزعم الجمهوريون في مجلس النواب أن كلا من جو وهانتر بايدن تلقيا مدفوعات بقيمة 5 ملايين دولار من المديرين التنفيذيين لشركة بوريسما مقابل طرد شوكين. لقد استندوا في هذه الادعاءات إلى وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي المعروفة باسم أف دي – 1023، والتي يستخدمها العملاء لتسجيل المعلومات التي يحصلون عليها من مصادر سرية. ووصف الرئيس بايدن المزاعم بأنها “كمية من الترهات”.
وشكلت مزاعم فساد بايدن محور الحملة لعزل الرئيس ترامب في عام 2019، بعدما ضغط الأخير على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مكالمة هاتفية للتحقيق في تعاملات هانتر مع بوريسما.
وقد استقال منذ ذلك الحين من مجالس إدارة كل من بي إتش آر بارتنرز وبوريسما هولدينغ.
وخلال الحملة الانتخابية لعام 2020، تبين أن جهاز كمبيوتر محمول تركه هانتر في ورشة إصلاح يحتوي على رسالة بريد إلكتروني تعود لعام 2015 يشكر فيها مستشار بوريسما هانتر على دعوته للقاء والده، نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، في واشنطن العاصمة.
ومن دون تقديم أدلة، وصف بايدن الأب المزاعم بأنها “حملة تشويه” تعتمد على المعلومات المضللة الروسية.
وعلى الرغم من أن البريد الإلكتروني قد تم التحقق منه منذ ذلك الحين، إلا أن ممثليه نفوا مرارا وتكرارا عقد مثل هذا الاجتماع على الإطلاق، مضيفين أن جو بايدن لم يناقش أبدا الدخول في أعمال تجارية مع أقاربه.
وبحسب تقارير، استولى مكتب التحقيقات الفيدرالي على الكمبيوتر المحمول من ورشة الإصلاح وتم فحص محتوياته كجزء من التحقيق الفيدرالي في شؤون هانتر بايدن.
وخلص تحليل أن بي سي نيوز إلى أن شركة هانتر حصلت على حوالي 11 مليون دولار من خلال عملها في أوكرانيا والصين من 2013 إلى 2018، بما في ذلك ما يقرب من 5 ملايين دولار من مشروع الغاز في لويزيانا وحده.
كما ورد أنها كشفت عن إنفاق أكثر من 200 ألف دولار شهريا في وقت ما على أجنحة في فنادق فاخرة، ومدفوعات السيارات الرياضية والسحب النقدي، من بين نفقات أخرى.
كما يبحث الجمهوريون في الكونغرس في تقارير تفيد بأن محاميا ثريا في هوليوود قد أقرض 2 مليون دولار لمساعدة هانتر على سداد ضرائبه المتأخرة، حسبما ذكرت شبكة سي بي إس هذا العام.
ودافع الرئيس بايدن عن هانتر في مناسبات متعددة.
وخلال مناظرة رئاسية في الانتخابات الأخيرة، هاجم ترامب خصمه قائلا: “تم طرد هانتر من الجيش، وتم تسريحه بشكل غير مشرف بسبب تعاطي الكوكايين، وبلا وظيفة حتى أصبحتَ نائبا للرئيس”.
وأجاب جو بايدن بشكل عاطفي: “هذا ببساطة ليس صحيحا. كان ابني – مثل الكثير من الناس – يعاني من مشكلة المخدرات. لقد عالجها وعمل عليها، وأنا فخور بابني”.